كثير من العقلاء يشعرون بالحيرة مما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي، ويشعرون بأهمية التدقيق والتمحيص ودقة الاختيار فيما نشاهد ونسمع وفي كل ما يعرض في التطبيقات، خاصة ونحن نرصد ما يتم عرضه بين وقت وآخر من مقاطع تحت العنوان الكبير «هذا مشهور – هذه مشهورة»، فما بين المحتوى الجاد على قلّته، نشهد أن النسبة الغالبة للذين ينتجون «المحتوى الفارغ» -ومع الأسف- قد تحولوا إلى مشاهير، بسبب تحول عداد المشاهدات نحو الصعود عالياً، وبسبب ارتفاع رقم المتابعين الذي يعلو هو الآخر، وهما عاملان يحسمان قصة المشهور أو المشهورة، دون النظر إلى قيمة أو نوعية المحتوى مع الأسف، وهل هو جيد ومناسب، أم أنه محتوى تافه يخالف الأعراف والقيم والمبادئ فليس هذا المهم بل المهم هو لفت الانتباه للحصول على المال والشهرة. لست أدري لماذا بعد كل مقطع تافه بطله مشهور أو مشهورة من الذين ملؤوا فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي، وتمردوا على القيم والثوابت أستعيد «قصة ذلك الأعرابي» الذي لم يجد طريقاً إلى بلوغ الشهرة على مدى الأزمان، ليعرفه الناس إلا أن «يتبول» في بئر زمزم، ليقال هذا الذي بال يوماً ما في بئر زمزم، وتلك كانت حجته التي قالها بعيد القبض والتشنيع عليه لفعل السوء الذي قام به، وبربكم أي شهرة هذه التي لا تأتي إلا عن طريق «السماجة والسخافة والفعل القبيح» المنافي لأخلاقيات المسلم الذي تربى وفق قيم الدينية التي تهتم بأقواله وافعاله، وتضبط سلوكه وتزن تصرفاته بالحكمة والعقل. أتذكر أني قرأت ذات مرة، أن الرسام الأميركي «آندي وورهول» تنبأ قبل خمسين سنة بأن بمقدور أي إنسان أن يحقق الشهرة خلال دقائق، فتذكرت كم من السخافات والتفاهات صنعت مشاهير، انطلقوا منها إلى منصات المجتمع، بسبب جملة قالها، أو تصرف ليس فيه ما يلفت الانتباه بقدر ما تحمل السخافة لكن التقطها الأتباع وساروا به الركبان، وصنعوا بها «مشهوراً أو مشهورة»، ولو سألت صدقاً: ما الذي قدمه هذا المشهور أو تلك للمجتمع، لما وجدت شيئاً يستحق أن يشار إليه بالبنان ليتم الاحتفاء به أو بها في القنوات الفضائية، لكنها وسائل التواصل الاجتماعي التي «صنعت من الحمقى مشاهير»، وقد حذر يوماً وليم شكسبير المجتمعات من أن يتم صناعة الحمقى وجعلهم مشاهير. لهذا وسائل التواصل بحاجة للتعامل معها بتحكيم التفكير، وعدم تسليم العقل لتسكنه غوايات وإغراءات المشهورين والمشهورات الذين صوروا لنا وكأن الحياة الواقعية لا تحتاج إلى عناء وتعب ولا جهد، بل هي تذاكر سفر ووجبات سريعة ومواقف ساذجة لجلب الضحك وقد عملوا بدعاياتهم وإعلاناتهم على نفض جيوب الكثيرين وأدخلوهم في نفق القروض البنكية والديون والدفع المؤجل وضربوا بذلك دروس الاستهلاك المرشد عرض الحائط. الكثير من المحتوى الفارغ قد يصنع عقولاً فارغة ويقدم دروساً غير صحيحة للأجيال في انعدام المسؤولية وكيف يهدر الوقت، لذا لا بد أن تكون هناك «رسائل هادفة» حتى في ميدان «الفكاهة وصناعة المواقف»، ولا تتحول الحسابات إلى نوع من العبث، ولا بد لكل صانع محتوى أن يتق الله ويخشاه، ويعلم بأنه محاسب على ما يقدم ويفكر في قوله تعالى: «وقفوهم إنهم مسؤولون»، وقوله تعالى: «وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»، وأن يلتزم بقيمة الحياء فهو شعبة من الإيمان، فكم شاهدنا من خرق خصوصيته، وأشرك الناس في أدق أسراره الأسرية، وسمح للجميع بأن يدخلوا إلى تفاصيل بيته وحياته، وظهر في «مواضع مقززة» لا تجوز دينياً وأخلاقياً واجتماعياً، وديننا كله أخلاقيات وتربية وتعليم، ومجتمعنا لن يقبل ما يخالف منهجه المستقيم الذي يرتكز على قيم ومبادئ ومثل يرسخها الدين الإسلامي الحنيف بل يرفض كل فكر دخيل لا يستقيم مع ثوابته. محمد فايع