شرّع الله الأعياد لعباده جزاء لطاعةِ أو نسكٍ أو مشاركة مَنْ أدّاهما، فهي تشريع ربانيّ يحملُ حِكمًا ومقاصد بسطها علماء الشريعة في كثير من الكتب والخطب، فالعيد من شعائر الله وأيامه، ومحلّه التعظيم، وإظهار البهجة والسرور كما جاء في الذكر المسطور: (ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب) (الحج:32)، غير أنّ كثيرًا ما يبرز في مناسبات الأعياد بيت المتنبيّ الشهير، ويتداول في بعض الأحاديث والمجالس ووسائل التواصل الاجتماعيّ مستنكرًا الفرح: عيدٌ بأيّة حالٍ عُدتَ يا عيدُ بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ فهو بيت قد قيل لمشاعر تخصّ المتنبيّ، وفي أوضاع كان يعيشها لا يمكن أن تعمّم على كلّ من شهد العيد وتلزمه بها، لكن هناك من هُمْ في تكوينهم النفسيّ ومنهجهم الحياتيّ يحاربون الفرح والسعادة، ويشيعون الحزن والتعاسة تحت ذرائع متجدّدة تارة ومعدّة تارة أخرى في كلّ وقت وأوان، وهي مشاعر لم يأت بها الشرع بسلطان في هكذا أيام، بل إنّ الشرع قد جاء بخلافها فحثّ على إظهار الابتهاج بها، وعدّها من شعائر الله، كما أنّ قسمًا من الفلاسفة ولاسيما أصحاب التيار الحيويّ قد وقفوا بالمرصاد والتفنيد لهذه المشاعر الحزينة التي تخفي وراءها كثيرًا من الوضعيات المحاربة للحياة والتقدّم على صعيد الفرد والمجتمع. كان أصحاب التيار الحيويّ يرون أنّ الفرح هو من القوى الإثباتيّة في الحياة التي تقاوم السلب والجمود الذي تمثله المشاعر الحزينة التي لا تكتفي بالحزن النفسيّ وإنّما هي أسّ لمشاعر الكره والحسد وإعدام الحياة، فالحزين يستفزّه من يشعر بالسعادة ويظهر الفرح، فمشاعر الفرح بلغة الفلاسفة تسهم في إذكاء وجود الأحوال، بمعنى آخر، فمشاعر الفرح تسهم في تحقيق ذاتيّة الفرد وتحوّل ما كان بالقوة إلى ما يكون بالفعل عبر تحقّق الذات التي تؤدّي إلى تحقّق مجتمع حيويّ يُقبل على الحياة ويُثبت ما فيها من جمال ويدرك ما بها من ضرورات. إن مشاعر الفرح التي تصاحب العيد هي فرصة للتسامح والتغافل عن الخلافات والضغائن، فحين يشعر المرء بالفرح يشيع التسامح والمحبة والتقدير؛ لذلك كانت فطرة المرء السليم هي الابتهاج بأيام الله وأعياده، ونبذ مشاعر الحزن ودفن الأحقاد، وهي فطرة تنسجم مع طبيعة العرب المعتدلة والمتزنة في مشاعرها وأحاسيسها، قيل لسعيد بن المسيّب المخزوميّ القرشيّ الذي كان من أفقه التابعين، وكان يُسمى راوية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته، قيل له: ها هنا قومٌ نُسّاكٌ يعيبون إنشاد الشعر، فقال: نَسكوا نُسكًا أعجميًّا. ولا يخفى أنّ إنشاد الشّعر من مظاهر الفرح التي تأنس به الروح وتطمئن له النفس الإنسانيّة المحتاجة إلى الراحة كما جاء في بعض الأثر: أريحوا النفوس فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد. د. رائد بن ثنيان الصّبح