تتزامن تحركات الرئيس الأميركي جو بايدن، باتجاه الصين، هذا الأسبوع، مع تصاعد وتيرة الملاسنات الكلامية بينه وبين غريمه التقليدي دونالد ترمب، فقد دعا بايدن الممثلة التجارية الأميركية لزيادة التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم الصيني ثلاث مرات، وهو مقترح يستجيب لضغوط النقابات العمالية، القلقة بشأن تأثير الصادرات الصينية الرخيصة على صناعة الصلب الأميركية، فالصينيون في رأي بايدن لا يتنافسون، وإنما يغشون، وقد أضروا بالصناعة الأميركية، لكن، المدهش، هو أن حملة ترمب رفضت مقترح بايدن، ووصفت فريق بايدن بمجموعة من الجهلاء الذين لا يفهمون شيئاً، وحجتهم في ذلك، أن مقترح بايدن هو مجرد إعادة إنتاج لقرارات ترمب الصادرة في عام 2018، عندما فرض تعريفة بنسبة 25% على الصلب، و10% على الألومنيوم، ويتساءلون: كيف يلغي الديمقراطيون رسوم ترمب، ثم يزايدون عليها؟ عند هذه النقطة، أتصور أن مقترح بايدن الحالي مجرد جعجعة بلا طحن، وهي بالمناسبة اسم رواية كوميدية من تأليف الكاتب الإنجليزي الأشهر ويليام شكسبير، أي أنها للاستهلاك الإعلامي، فكلما اقترب موعد الانتخابات الأميركية، كلما زادت وتيرة الجعجعة أو المزايدة بين الفرقاء السياسيين، حيث ينبري الديمقراطيون، كما الجمهوريون، للتنظير حول طريقة وضع الصينيين في الجحور، والعودة بهم إلى العصر الحجري، فهذه أمور تعجب الناخب الأميركي وتصنع مشاهدات بعشرات الملايين، وهي تأتي في سياق مناخ سياسي سائد يظهر العداء للصين، وهي تعكس أيضاً بوضوح طبيعة الدوافع السياسية للقرارات الاقتصادية، حيث يستهدف بايدن بشكل واضح مغازلة العمال النقابيين، باعتبارهم كتلة تصويتية هائلة، حيث تتخطى أعدادهم 14 مليون عامل نقابي، يعني 14 مليون صوت انتخابي، وهو أمر يدركه جيداً كلا المرشحين. في عام 2023، أصبحت الصين سابع أكبر مصدر للصلب إلى الولاياتالمتحدة، بإجمالي شحنات 598 ألف طن، وفقًا لبيانات المعهد الأمريكي للحديد والصلب، وهي مجموعة تجارية صناعية رحبت باقتراح بايدن، لكن، التحليل الموضوعي، يظهر بجلاء أن التأثير الاقتصادي لزيادة الرسوم الجمركية على هذه الكميات الصغيرة من واردات الصلب والألومنيوم الصينية سيكون طفيفاً، مما يعني أن الهدف الحقيقي للاقتراح، هو استقطاب كتلة تصويتية مهمة لصالح بايدن، وتسويقه إعلامياً على أنه حامي حمى العمال، والمدافع الصلد عن حقوق العمال ضد التغول الصيني، فضلاً عن أن الجدول الزمني لزيادة التعريفة الجمركية، وتأثيرها المحتمل ليس واضحاً، وهذا يعني أنها فقاعة سياسية تتدثر بعباءة اقتصادية. يتجاهل مقترح بايدن قراراً سابقاً لمنظمة التجارة العالمية، في 2020، عندما قضت المنظمة بأن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الصين تنتهك قواعد التجارة الدولية، وإذا قدر لمقترح بايدن أن يرى النور، فسنعود إلى حلقة مفرغة، حيث تذهب بكين، أوتوماتيكياً، إلى منظمة التجارة لاستصدار قرار يوثق انتهاكات واشنطن، وستحصل عليه الصين بمنتهى السهولة، وهذا يعني ببساطة أن البيت الأبيض يعيد ارتكاب نفس الخطأ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن حقيقة نجاح الاجتماع الأخير بين الرئيسين بايدن وشي في انتزاع فتيل الحرب التجارية؟ ونفس السؤال حول تأثير الرسوم المقترحة على جولات اكتساب الثقة بين مسؤولي البلدين؟ والأهم لنا، ما مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل هذا الصراع، الذي يبدو أحياناً عبثياً، بين أكبر اقتصادين في العالم؟