قبل إطلاق تشات (جي بي تي) منذ أكثر من سنة، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تشريع جديد للذكاء الاصطناعي اعتبر وقتها إنجازاً غير مسبوق، لكنه أخفق في توقع ما حدث لاحقاً، فقد انطلقت ثورة النماذج اللغوية الكبرى التي تدعم برامج الدردشة، فأصبح التشريع الأوروبي بعدها ملتقى يجمع غبار الرفوف وفريقاً آخر من القانونيين يبدؤون دورة تشريع جديدة للذكاء الاصطناعي. صدر منذ أسابيع قليلة قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي، الذي أقرته رسمياً 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، حيث يهدف الإطار التنظيمي الجديد إلى الإشراف على تطوير وتطبيق الذكاء الاصطناعي في أنحاء أوروبا كلها. يهدف هذا التنظيم، بعد أن أقرته لجان السوق الداخلية والحريات المدنية في البرلمان الأوروبي، إلى ضمان أن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي المنشورة داخل الاتحاد الأوروبي آمنة وتدعم الحقوق الأساسية وقيم الاتحاد الأوروبي. في قلب التشريع الجديد، نظام تصنيف يقيم تقنيات الذكاء الاصطناعي استناداً إلى مخاطرها المحتملة على الصحة والسلامة والحقوق الأساسية. يصنف هذا التنظيم تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى أربعة مستويات من المخاطر: غير مقبولة وعالية ومحدودة وصغيرة. بالنسبة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل مخاطر محدودة أو ضئيلة، مثل مرشحات الرسائل غير المرغوب فيها أو ألعاب الفيديو، فإن المتطلبات خفيفة نسبيا، وتركز أساساً على الشفافية. في المقابل، تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي صنفت ذات خطر غير مقبول قيوداً صارمة أو حظراً صريحاً، مثل: تحديد الهوية البيومترية في الوقت الفعلي في الأماكن العامة وأنظمة التسجيل الاجتماعي الحكومية. كما تلتزم أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر التي تشمل المركبات ذاتية القيادة وآلات البنية التحتية الحيوية، بلوائح صارمة، بما في ذلك الاختبار الشامل وتوثيق جودة البيانات وإطار إشراف بشري مفصل. يتناول القانون استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للأغراض العامة أيضاً، مثل: نماذج اللغات الكبيرة مثل تشات (جي بي تي)، الذي يتطلب الكشف عن تاريخ إنشاء المحتوى بالذكاء الاصطناعي، لضمان الشفافية ومنع إساءة استخدامه في تطبيقات المراقبة البيومترية مثلاً. أحد المكونات المحورية للقانون الجديد هو إنشاء مجلس الذكاء الاصطناعي الأوروبي، سيلعب هذا المجلس دوراً حاسماً في الإشراف على تنفيذ اللوائح، وضمان تطبيق موحد عبر الدول الأعضاء، والتوجيه بشأن القضايا والتحديات الناشئة. يتضمن قانون الذكاء الاصطناعي أحكاماً لغرامات كبيرة، مع عقوبات تصل إلى 30 مليون يورو لعدم الامتثال، مما يشير إلى التزام الاتحاد الأوروبي بإنفاذ هذه اللوائح. يمثل هذا التشريع خطوة مهمة من قبل الاتحاد الأوروبي في محاولة لتحقيق التوازن بين تعزيز ابتكار الذكاء الاصطناعي والحاجة إلى السلامة والشفافية واحترام حقوق المجتمع، مما يشكل سابقة لتنظيم الذكاء الاصطناعي على نطاق عالمي. لكن يظل السؤال الملح، ماذا تخبئ الأيام من مفاجآت ابتكارية تلقي بهذا التشريع كغيره لخارج التاريخ؟