في الممرات الطويلة لمقر الاتحاد الأوروبي من العام 2021م، تسمع صدى يتردد من الزوايا المظلمة في زحام من الجموع الخارجة من إحدى القاعات. ترى يداً ترفع وثيقة من 125 صفحة، حيث مارغريت فيستغر رئيس فريق السياسات الرقمية، في ما يبدو احتفالاً بإنجاز كبير، تسمع كلمات التهنئة لما حققه الفريق التشريعي المكون من 27 عضواً، ما عبرت عنه نيابة عن الفريق الذي ترأسه: إنه معلم تشريع جديد. متحدثة بحماس عن القوانين والتشريعات الجديدة للذكاء الاصطناعي التي احتوتها الوثيقة: يضع هذا المنهج الجديد معياراً عالمياً، مع قواعد مرنة ومستهدفة، تعالج المخاطر المحددة التي تشكلها أنظمة الذكاء الاصطناعي. إنها استراتيجية شاملة، تجمع بين تغييرات السياسة والاستثمارات عبر الدول الأعضاء لتعزيز مكانة أوروبا كرائدة في الذكاء الاصطناعي. في مكان آخر عبر المحيط، كان الذكاء الاصطناعي ممثلاً في تشات (جي بي تي) يمزق الوثيقة مع كل سطر برمجي يضاف إليه، ومع كل معلومة جديدة يتدرب عليها. مع ظهور البرنامج الجديد، أصبح الأمر جلياً، ذهبت وثيقة التشريعات الأوروبية كغيرها لتوضع على رف قصي في أرشيف التاريخ. بدا كما لو أن العملاق الأوروبي قد كبل نفسه بالتشريعات الجديدة، واقفاً مكتوف اليدين تلعب به الرياح الموسمية. كان التشريع الجديد قد ارتكب خطأ فادحاً، حيث لم يتعرض للذكاء التوليدي في نصوصه. تقاطعت موجات من المكالمات والرسائل العاجلة بين المشرعين ومساعديهم، تدفع لمعالجة هذا الإخفاق. في الوقت نفسه، تردد صوت صناعة التقنية، محذرين من اللوائح الصارمة التي تعيق الميزة التنافسية لأوروبا في الساحة الاقتصادية العالمية. أكد هذا التحول في الأحداث على تحد محوري في إدارة التقنيات الناشئة - غالباً ما تتفوق وتيرة الابتكار التي لا هوادة فيها على أفضل خطط صانعي السياسات. نتيجة لذلك، اتخذت الولاياتالمتحدة وبريطانيا منهجاً أكثر تواضعاً، حيث دعت مصنعي التقنية الكبار للمشاركة في صناعة السياسات التي عليهم تطبيقها. يتشابك أقطاب التقنية ومهندسو السياسات معاً على الطاولة نفسها حيث تسمع الأصوات المتعالية في نقاش حماسي كبير. ذهبت أيام الفرض الجامدة وحل مكانها مساحة مشتركة تغرس الخبرة التقنية مباشرة في عروق صانعي السياسات. تضمن هذه الطريقة أن القوانين الناشئة ليست عملية وفعالة فحسب، بل تعكس المشهد الديناميكي والمتطور باستمرار التقنية أيضاً. في اعتراف ضمني بالعجز عن ملاحقة التقنية، انفتح المشرعون للاستماع لقادة التقنية، تحولت القاعات التشريعية إلى فصول دراسية، حيث اتخذ أساتذة السياسة مقاعدهم بتواضع كالتلاميذ، جلسوا بهدوء منصتين لسد فجوات فهمهم الذي حال دون التعرف على التقنية ذاتها التي يهدفون إلى تنظيمها، كان مشهداً لصانعي السياسات الذين عادة ما كانوا واثقين جداً في توجيهاتهم، تراهم يفككون أشرعتهم التي رفعت لتقنية ما تزال تبحر دون بوصلة تشير إلى الشمال المغناطيسي بعد، في اعتراف بالعلاقة المركبة بين الابتكار والتنظيم.