تقديرنا عميق لجهود المملكة المتميزة في توفير خدمات متكاملة للعمار والزوار في مكةالمكرمة والمدينة المنورة الاستقبال الرائع للعراقيين دلالة واضحة على الجسور القوية بين الشعبين وكرم ورفعة أهلنا في المملكة تتنوع مظاهر وعادات شهر رمضان المبارك من بلد إلى بلد آخر في العالم الإسلامي نستضيف اليوم السفيرة صفية طالب السهيل سفيرة جمهورية العراق لدى المملكة لتحدثنا عن رمضان في العراق قديماً وحديثاً وعن العادات والتقاليد العراقية خلال هذا الشهر المبارك فإلى الحوار: *كيف كانت أجواء رمضان في العراق قديماً؟ * رمضان في العراق، كما في العديد من الدول الإسلامية، يتميز بعدد من التقاليد والعادات الفريدة التي تعكس ثقافة البلاد وتاريخها الغني من بين هذه التقاليد: المدفع الرمضاني: تقليد قديم كان يُستخدم لإعلام الناس بوقت الإفطار والسحور. ورغم أن هذه العادة قد تراجعت مع التطور التكنولوجي، إلا أنها لا تزال موجودة في بعض المناطق. المسحراتي، هو الشخص الذي يتجول في الشوارع قبل الفجر لإيقاظ الناس للسحور. يستخدم المسحراتي الدفوف وينشد أهازيج تقليدية. الإفطار الجماعي ، تجمع العائلات والأصدقاء للإفطار معًا، وأحيانًا تُقام موائد رمضانية في الشوارع أو المساجد للفقراء والمحتاجين. الزيارات العائلية، تزداد الزيارات بين الأقارب والأصدقاء في رمضان لتبادل التهاني والأطعمة. القيام بالأعمال الخيرية والصدقات، تزداد الأعمال الخيرية في رمضان، حيث يسعى الناس إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين. البرامج والفعاليات الثقافية والدينية، تُقام العديد من الفعاليات الثقافية والدينية خلال شهر رمضان، بما في ذلك قراءات القرآن والمحاضرات والأمسيات الدينية. ومع التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية بعض من هذه التقاليد قد تراجعت أو تغير شكلها، لكن الكثير منها لا يزال يُمارس بشكل أو بآخر بالعراق ، محافظًا على الهوية الثقافية والدينية للمجتمع العراقي. الجيل الجديد أيضًا بالعراق يبدو مهتمًا بإحياء بعض هذه التقاليد وتكييفها مع العصر الحديث لضمان استمرارها. الحمدلله كل ما كنا نمارسه من طقوس ما زلنا نمارسه والذي تغير هو فقدان عدد من أفراد الأسرة مثل المرحوم الوالد و الجدين وبعض الاقارب الذين كانوا يعيشون معنا أو نعيش بكنفهم ورعايتهم ونشعر بدفئ وجودهم بحياتنا وهو في الحقيقة الفقدان الأكبر الذي تشعر به الأسر في كل رمضان بغياب عزيز عن المائدة الرمضانية التي تجمع جميع أفراد الأسرة. الصوم في الخارج *متى كان أول رمضان تصومونه خارج البلاد؟ * بحكم طبيعة الحياة التي عشتها بكنف عائلة سياسية اضطرت أن تعيش خارج الوطن لنشاطها السياسي فوالدي كما تعلمون هو طالب علي السهيل شيخ عشائر بني تميم في العراق فقد كان أول رمضان أصومه داخل بلدي العراق في عام 1424ه / 2003م، حيث عشت لسنوات في المملكة الأردنية الهاشمية وتنقلت بين عدد من الدول العربية والإسلامية والأجنبية واطلعت إثر ذلك على عادات وتقاليد الشهر الفضيل "رمضان" في العديد من الدول وأستطيع القول أن هناك مشتركات عديدة بالتقاليد. تعكس تجربتي الشخصية اهتمامي وحرصي على المحافظة على العادات والتقاليد الثقافية والدينية حتى خارج الوطن الأم. وتشكل العادات الرمضانية، مثل المدفع الرمضاني، المسحراتي، الإفطار الجماعي، الزيارات العائلية، الأعمال الخيرية والصدقات، والبرامج والفعاليات الثقافية والدينية، جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والدينية التي يحاول الدبلوماسيون و المغتربون نقلها وإحيائها، هذا الحرص على نقل التقاليد يعكس الرغبة في الحفاظ على الروابط الثقافية وتعزيز التفاهم والتقارب بين الثقافات المختلفة. و في سياق الحياة الدبلوماسية واحتفالات شهر رمضان في الغرب، يتخذ نقل التقاليد الرمضانية والمشاركة مع الجاليات والسلك الدبلوماسي طابعًا يتسم بالتبادل الثقافي والتفاهم المتبادل. تقاليد عريقة *ما العادات والتقاليد العراقية خلال شهر رمضان المبارك؟ * رمضان في العراق يتميز بتقاليده العريقة والفريدة التي تعكس غنى الثقافة والتراث العراقي، معبرًا عن روحانيات عميقة تجمع بين المدفع الرمضاني الذي يعلن وقت الإفطار، وصوت المسحراتي الذي يجوب الشوارع لإيقاظ الناس للسحور، والتجمعات العائلية والجماعية للإفطار التي تُعد من أهم مظاهر الشهر الكريم. كما تبرز صلاة التراويح والقيام، وزيارة المزارات الدينية كتجليات للعبادة والتقرب إلى الله. لعبة المحيبس تأتي كأحد أبرز الأنشطة الترفيهية التي ينتظرها الشباب في الأحياء العراقية بشغف، حيث تجمع فريقين في تحدٍ ودي وتعزز الروابط الاجتماعية والتواصل بين الشباب في جو من المرح والتنافس الودي. الزيارات الدينية تعد جزءًا مهمًا من الطقوس الرمضانية في العراق، حيث يقصد العراقيون المزارات الدينية ، مستغلين الأجواء الروحانية، هذه الزيارات لا تقتصر على المسلمين فحسب، بل تشمل أيضًا غير المسلمين من المسيحيين والصابئة المندائيين واليزيديين وغيرهم، مما يعكس التعددية الدينية والثقافية في العراق. رمضان في العراق يبرز كمثال للتعايش والاحتفال المشترك، حيث يحتفل به العراقيون جنبًا إلى جنب، مظهرين وحدة وتآلف المجتمع العراقي رغم التنوع الديني والثقافي. هذا التآلف الاجتماعي والتعددية الثقافية يجعل من رمضان في العراق تجربة غنية ومتميزة، تسهم في تعزيز الروابط بين مختلف مكونات المجتمع وتؤكد على قيم التسامح والتعايش السلمي، مؤكدين على أهمية الحفاظ على الثقافة والتقاليد وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة. كان رمضان عام 1425ه / 2004م في بغداد يحمل في طياته شعورًا وجدانيًا عميقًا بالعودة إلى الوطن، العاصمة، والأهل بعد فترة طويلة من الغياب. الغوص في التقاليد العريقة عن قرب مع الأهل والعشيرة، في أجواء العاصمة بغداد بكافة مناطقها المرخ والرصافة والكاظمية والريف البغدادي بمناطقنا التاريخية هور عقرقوق وحي تميم ، كان يحمل في طياته تجربة لا تُنسى. المشاركة في الزيارات العائلية، استضافة المآدب، والتجمعات في هذه المناطق، كل ذلك كان يُعيد تأكيد الروابط الأسرية ويُظهر غنى الحياة الاجتماعية والثقافية في بغداد. صالون ثقافي وفي رمضان عام 1428ه / 2007م ، توجت هذه التجربة الوجدانية بإحياء رمضان في صالوني الثقافي، الذي استضاف شخصيات كبيرة معروفة في أدائها للموشحات الرمضانية والمقام العراقي . رغم الظروف الأمنية المقلقة التي كانت تعيشها بغداد آنذاك، كان التفاعل الكبير مع هذه الفعاليات الثقافية وتغطيتها الإعلامية الاستثنائية يعكس جوًا من الرغبة الشديدة للعمل من أجل الاستقرار والسلام. الاحتفاء ثقافيًا بأمسيات رمضانية لم يكن مجرد تجمع ثقافي، بل كان تأكيدًا على قوة الفن والثقافة في جمع الناس وتعزيز الأمل والتفاؤل في أوقات الشدة والإصرار والعزيمة على بناء السلام والاستقرار. ساهمت المبادرات الثقافية في الشهر الفضيل لصالوني الثقافي وغيرها من المجالس البغدادية في تجسيد الروح العراقية الأصيلة ، حيث استطاعت بغداد وأهلها الاحتفاظ بتقاليدهم وتواصلهم الثقافي والاجتماعي، معززين بذلك شعور الانتماء والهوية. هذه التجارب في رمضان، سواء كانت على صعيد اللقاءات العائلية أو الفعاليات الثقافية، تُعد شهادة على الحياة الغنية التي تميز العاصمة العراقية وتعكس الإصرار على الاحتفاء بالجمال والثقافة حتى في أصعب الأوقات . مع الاستقرار والحياة للعاصمة بغداد نوكد أن الشهر الفضيل " رمضان " يحول بغداد العاصمة وكافة المحافظاتالعراقية ومنها البصرة و الموصل والحلة واربيل والسليمانية ليس فقط إلى مدن تعج بالحياة والنشاط، بل أيضًا إلى ملتقى ثقافي يجمع بين العراقة والحداثة. شارع المتنبي في بغداد مدينتي هناك أماكن محددة تستقطب الأهالي والضيوف ، من بين هذه الأماكن التي تستقطب الآلاف من العراقيين للاستمتاع بفعاليات رمضانية مفتوحة، يبرز شارع المتنبي ومنطقة القشلة كنقاط جذب ثقافية واجتماعية رئيسية في العاصمة. شارع المتنبي، هذا الشارع التاريخي المعروف بأجوائه الثقافية الغنية، يزدهر في رمضان بالفعاليات الأدبية والثقافية. يتجول الزوار بين أروقة المكتبات والمعارض الفنية، مستمتعين بالقراءات الشعرية والندوات الثقافية التي تُقام تحت ضوء القمر، مما يُعيد إحياء التراث الأدبي والفكري للعراق. منطقة القشلة، بدورها، تتحول إلى مسرح للفعاليات الرمضانية المفتوحة التي تجمع العائلات والأصدقاء. القشلة، ببنائها التاريخي وموقعها الاستراتيجي على ضفاف نهر دجلة، تصبح مكانًا للاحتفالات الرمضانية، حيث تُقام الحفلات الموسيقية والعروض الفنية التي تضيف إلى ليالي رمضان بُعدًا فريدًا من البهجة والسعادة. التجمع في شارع المتنبي والقشلة خلال شهر رمضان يعكس الروح الجماعية والترابط الاجتماعي للشعب العراقي. يجد الزوار في هذه الفعاليات متنفسًا ثقافيًا يُغذي الروح ويجمع بين الأجيال، مما يُظهر قدرة الثقافة والفن على توحيد الناس وإعطائهم شعورًا بالأمل والتفاؤل. إن الاحتفالات والفعاليات في شارع المتنبي والقشلة خلال رمضان لا تُعبر فقط عن الغنى الثقافي لبغداد، بل تُبرز أيضًا الإصرار العراقي على الاحتفاء بالحياة والتراث في وجه التحديات، مقدمةً بذلك مثالًا حيًا على القوة والعزيمة التي يتمتع بها الشعب العراقي. المائدة العراقية *ما الأطباق المشهورة بها المائدة الرمضانية العراقية؟ * تتألق المائدة العراقية في رمضان بتنوع وغنى يعكس التراث الثقافي والطهي العريق للعراق، حيث تجتمع الأسر والأصدقاء لتناول أطباق تقليدية محبوبة تتوارثها الأجيال. الأطباق الرئيسية والحلويات تتميز بنكهاتها الفريدة وتعدد مكوناتها، مما يجعل وجبات الإفطار والسحور لحظات خاصة تعبر عن الكرم والضيافة العراقية. التمور العراقية تأخذ الحيز الأكبر من اهتمام المائدة العراقية في رمضان ، تمورنا العراقية تُعد من كنوز الشرق الأوسط الغنية، حيث تبرز بفضل جودتها الفائقة وتنوعها الكبير الذي يلبي كل الأذواق. من الخستاوي الذي يتميز بحجمه الكبير وطعمه الحلو، إلى الزهدي بحجمه الصغير وطعمه القوي، مروراً بالبرحي، الذي يعد من الأصناف الفاخرة عالميًا ويؤكل طازجًا عندما يكون لونه أصفر، إلى الساير بحجمه الكبير ولونه الذهبي الجذاب، والحلاوي الذي يُعرف بقوامه الناعم وحلاوته المميزة. هذه التمور لا تقتصر على كونها ثمرات تقدم رمضانيا فحسب، بل تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة والتراث العراقي، وتُستخدم في تحضير العديد من المنتجات الغذائية مثل دبس التمر والخل المتواجده على المائدة العراقية . و من الأطباق الرئيسية التي تزين المائدة العراقية في رمضان، سمك المسكوف الشهير ورز العنبر ، الدولمة المشهورة بتنوع خضارها المحشو بالأرز واللحم والبهارات، والتي تُطهى بصلصة الطماطم الغنية. البرياني العراقي، بتوابله الخاصة ومزيجه الغني من الأرز والدجاج أو اللحم والمكسرات، يقدم تجربة طعام استثنائية. القوزي، بلحمه الطري وحشوته الغنية بالأرز والمكسرات، يُعد طبقًا محوريًا في الولائم الرمضانية. ولا يمكن تجاهل التشريب العراقي، الشوربة الغنية باللحم والطماطم والخبز، التي تُعد مقبلات مثالية تُفتح بها الشهية للإفطار. أما الحلويات، فهي جزء لا يتجزأ من المائدة الرمضانية، حيث تتنوع من الكليجة بحشواتها المختلفة مثل التمر والجوز، إلى مَنّ السما المحشو بالفستق والجوز ، إلى الزلابية الذهبية المقرمشة المغمسة بالشيرة والقيمر العراقي مع الدبس والكاهي . البقلاوة بطبقاتها الهشة وحشوة المكسرات الغنية تقدم مع القهوة أو الشاي كختام مثالي للوجبة. هذه الحلويات لا تُضفي مذاقًا حلوًا على الوجبات فحسب، بل تعزز أيضًا من الشعور بالفرح والتجمع العائلي. المائدة الرمضانية في العراق تعبر عن غنى التقاليد والثقافة العراقية، حيث تلتقي الأجيال على حب الطعام التقليدي والحفاظ على العادات الرمضانية، مما يعزز الروابط الأسرية والاجتماعية ويجسد روح الشهر الفضيل بكل معانيها من كرم وتقاسم وفرح. تقدير وامتنان *يحظى العُمّار والزوّار خلال شهر رمضان المبارك بمنظومة خدمات متكاملة لتسهيل أداء عباداتهم بكل يسر وسهولة واطمئنان، كيف ترون عناية حكومة المملكة بالحرمين الشريفين خصوصاً في هذا الشهر الكريم؟ * نعبر عن عميق تقديرنا وامتناننا للجهود المتميزة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في توفير خدمات متكاملة ومميزة للعمار والزوار في مكةالمكرمة والمدينة المنورة خلال شهر رمضان، والتي تعكس بوضوح التزام المملكة بتعزيز تجربة العبادة والزيارة الروحية للمسلمين من جميع أنحاء العالم. هذه الخدمات تشمل توسعات كبرى في الحرمين الشريفين، تحسين البنية التحتية، توفير الخدمات الصحية المتقدمة، وتسهيل عمليات النقل والمواصلات، مما يعكس رؤية المملكة وإصرارها على توفير تجربة روحية وعبادية مميزة للمسلمين خلال هذا الشهر الفضيل. لقد لاحظنا بتقدير عالي الزيادة المستمرة في عدد الزوار العراقيين القادمين إلى الأراضي المقدسة، جوًا أو برًا، وخاصةً عبر منفذ عرعر الحدودي باستقبال رائع للمعتمرين والزوار والذي يعكس الضيافة السعودية الأصيلة. خدمات مقدرة من السلطات الرسمية بتسهيل الإجراءات ويقابلها استقبال شعبي من أهالي المنطقة الشمالية عموما وأهالي عرعر خصوصا ومن الشباب المتطوع لخدمة المعتمرين الذين عكسوا بمبادراتهم الشعبية كرم السعودية الأصيل ، هذا الاستقبال الرائع للعراقيين يُعد دلالة واضحة على الجسور القوية بين الشعبين وعلى كرم ورفعة أهلنا في المملكة. الإحصائيات الأخيرة تشير إلى زيادة ملحوظة في عدد الزوار العراقيين من شهر رجب ومن المتوقع أن نرى زيادة أكبر خلال شهر رمضان، مما يؤكد على النجاح المتزايد للتسهيلات والخدمات المقدمة من المملكة لخدمة المسلمين و لعموم المعتمرين ومنهم المعتمرين العراقيين . إن الجهود المبذولة لضمان انسيابية الدخول والخروج للمعتمرين تُسهم في توفير تجربة زيارة مريحة وميسرة للزوار، مما يُعزز من تقديرهم وشعورهم بالترحيب. كما أن التغطية الإعلامية الواسعة والاستثنائية والتفاعل الكبير مع المعتمرين لا تُسلط الضوء على الأهمية الروحية للزيارة فحسب، بل تُبرز أيضًا الدور الحيوي الذي تلعبه المملكة وشعبها الشقيق في خدمة المسلمين . إن الخدمات المقدمة للمعتمرين مثالًا رائعًا على الكرم و المسؤولية التي تتحملها المملكة كخادمة للحرمين الشريفين، مؤكدةً على أهمية الوحدة الإسلامية والتعاضد بين المسلمين. السفير صفية طالب السهيل تتحدث للزميل محمد السالم الفقدان الأكبر الذي تشعر به الأسر في كل رمضان بغياب عزيز عن المائدة الرمضانية