أما طعام اهل الجنة وشرابها، فقد ذكر الله عز وجل الطعام بأنه من ألذ اللحوم وهو الطير، قال عز وجل:وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} وقال:وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}، وهذا اللحم غير منقطع، فمتى شئته وجدته، بخلاف ثمرات الدنيا وفاكهة الدنيا، ولحوم الدنيا فإنها توجد في أوقات وتنعدم في أوقات، أما فاكهة الجنة وثمار الجنة فإنها لا مقطوعة ولا ممنوعة، لا مقطوعة بزمن، ولا ممنوعة بثمن:وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ، واعلم أن الجنة فيها من جميع الثمار ومن جميع الفواكه، التي تعلمها والتي لا تعلمها، ولا تعرف مكانها ولا تحمل في سلة أو كيس وإنما معلقة في أشجارها، وإذا أردتها تدلى لك الغصن، يقول الله عز وجل:مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} وقال عز وجل:وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً}. وورد في الحديث أن المؤمن وهو جالس في الجنة يشتهي الفاكهة وهي في الشجرة فيتدلى له الغصن ثم يقطف منه ويأكل ثم يعود الغصن كما كان، يقول الله عز وجل: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} فلا يذهب ليأتي بها ولكنها دانية. ويروي الترمذي عن أنس رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}، ولعلك تقول إن هذه الشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام فكيف يستطيع أن يأكل من جميع الثمار، فاعلم أن أغصان الجنة ملتفة حول بعضها من كثرتها. وفي قول الله عز وجل: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} ذكر ابن كثير حديثاً، قال: (يطوف على رأس كل رجل من أهل الجنة عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفتان: صحفة من ذهب وصحفة من فضة، في كل صحفة لون من الطعام ليس في الثانية مثله)، يعني: عشرة آلاف في صحفتين كم تصبح؟ عشرين ألف نوع من الطعام، يأكل من أوله حتى يصل إلى آخره، فيجد لآخر لقمة من الطعم واللذة مثل ما لأول لقمة. (دروس للشيخ سعيد بن مسفر)