أخبرنا الله تبارك وتعالى بأن الجنة تجري من تحتها الأنهار، (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار)، وفي آيات يقول: «تجري تحتهم الأنهار» (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار)، وقد حدثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أنهار الجنة حديثاً واضحاً بيناً، ففي إسرائه صلوات الله وسلامه عليه رأى «أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران بأطنان، فقلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان: فنهران في الجنة، وأما الظاهران: فالنيل والفرات». وقال ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- في حكمة أوصاف هذه الأنهار: «فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا؛ فآفة الماء أن ييأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللَّبن أن يتغيَّر طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصًا، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللذة وشربها، وآفة العسل عدم تصفيته؛ وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أُخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها. وإن هذه الأنهار تفجر من تحت عرش الله تعالى؛ كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ). إن هذه الأوصاف التي قدمنا هي أوصاف للجنة ونعيمها، وإن هذا المشهد هو ألذ المشاهد التي يواجها المؤمن في حياته الآخرة، ولمَوضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ كما جاء في الحديث عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا). المصدر: كتاب (النار والجنة)