عُرفت المجاورة كظاهرة اجتماعية في مكةالمكرمة منذ ظهور الإسلام؛ استنادًا على ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة من آيات وأحاديث تفصح عن مكانة مكة الدينية، وبين مدى فضلها وقدسيتها، ومن هذا المنطلق ذهب عدد كبير من الصحابة إلى مكة راغبين المجاورة فيها، وكان المقصد من مجاورة الحرمين لا يخلو من أمرين: الأمر الأول لمصلحة دنيوية؛ كقصد التجارة أو الزواج أو تعلم حِرفة أو علم دنيوي وما أشبه ذلك، والأمر الثاني: لمصلحة دينية كإرادة الحج أو العمرة، أو طلب العلم، وغيرها، فشكلت فئة المجاورين باختلاف أجناسهم وتنوع ثقافاتها على مر العصور التاريخية جزء لا يتجزأ من المجتمع المكي؛ لا سيما من أطال البقاء مجاورًا أو قرر الاستيطان الدائم في مكة، حيث اختلط هؤلاء بأهل مكة الأصليين، فأثر كل طرف على الآخر، كما شغل عدد من المجاورين في الغالب العديد من الوظائف والمهام الدينية والعلمية في مكة، وكانت هذه الأعمال سببًا في مجاورة عدد من مشاهير العلماء الذين أسهموا بدور فعال في تحريك الحياة العلمية وإنمائها في مكة آنذاك، وبالرغم من تنوع ثقافات المجاورين واختلاف مشاربهم العلمية إلا أن قُدسية المكان وشرفه قد حصرت اهتماماتهم بشكل كبير على العلوم الشرعية بفروعها المُتعددة، مع ما يرتبط بها من علوم ومعارف إسلامية أخرى، مثل علوم اللغة العربية وآدابها، أو السيرة النبوية الشريفة، والتاريخ، فمضى عدد كبير من المجاورين في سبيل دعم الحياة العلمية في مكة، فشاركوا بتنمية المكتبات العلمية وتزويدها بما ينقصها من الكتب النافعة، كما مدوا الأسواق المكية بحاجتها من الكتب المختلفة، كما اهتم بعضهم في التجارة والطب والصيدلية وهكذا شكلت فئة المجاورين جزءًا كبيرًا من المجتمع المكّي. * باحثة دكتوراه في التاريخ