تحفل مجاميع الشعر الشعبي بقصائد ومقطوعات شعرية كثيرة مجهولة القائلين، ونعرف أن جهل القائل سمة أو خصيصة من خصائص الأدب الشعبي عموماً بحكم التداول الشفهي لنصوص هذا الأدب وتأخر تدوينها، ففي بعض الأحيان ينسى الراوي اسم مبدع النص، أو يرويه دون نسبته إلى أحد نظراً لتركز اهتمامه على النص نفسه لا على قائله. ومن المألوف في المجاميع الشعبية أن تقابلنا أشعار كثيرة لا يعرفُ المدون أو الراوي قائلها، ولشيوع ظاهرة النصوص مجهولة القائل صدرت مؤلفات عديدة تُعنى بالبحث في مسألة إعادة ربط كل نص بقائله لإزالة الجهل، من أشهرها كتاب (من القائل) للشيخ عبدالله بن خميس. ويمكن ملاحظة طغيان ظاهرة الشعر المنسوب لمجهولين في نوعين محددين من شعرنا الشعبي: الأول هو شعر الحداء أو الأحديات، وقد تحدّث الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري عن ظاهرة الأحديات مجهولة القائلين في كتابه (الشعر العامي بلهجة أهل نجد)، وعللها بتأخر تدوين هذا الفن الشعري، فقال: «والسر في ذلك أنه مرتجل يراد به متعة لحظة راهنة ينسى بانتهاء مناسبته وإنما يستحيي الناس منه نوادر انطوت على قيمة فنية أو سجلت حادثة مهمة كأحدية راكان في المناسبة المعروفة بسنة الطبعة أو كانت لزعيم مرموق فتكتسب الأحدية أهميتها وإن كانت ضعيفة المستوى فنياً لأهمية قائلها، ولهذا قلت عناية الجماع بالحداء وتأخر تدوينه». وأشاد الظاهري بجهود الأمير الشاعر محمد السديري والرحالة موزل في جمع الأحديات. واتفق الدكتور سعد الصويان مع ابن عقيل الظاهري في ملاحظة الضعف الفني في شعر الحداء، وذكر في كتابه (حداء الخيل) أن سبب اضطراب أوزان كثير منها أنها «تصدر عن فرسان لا يحترفون الشعر ولأنه يغلب عليها طابع الارتجال». أما النوع الثاني من الشعر الشعبي الذي يكثر نسبته لقائل مجهول فهو شعر النساء، فإذا نظرنا، على سبيل المثال، في كتاب (التحفة الرشيدية) رأينا أن مؤلفه مسعود الرشيدي يورد مقطوعات عديدة تتخلّل قصائد الشعراء تحت عنوان (من نوادر النساء)، ويكتفي دائماً بتحديد جنس قائلة الأبيات دون عناية بذكر اسمها، ولا نعرف هل هي معروفة له أم لا. وقد أشار أشهر مدوني أشعار النساء في أدبنا الشعبي، وهو الأستاذ عبد الله بن ردّاس، إلى سبب غياب أسماء الشاعرات القديمات عن إبداعهن في سياق حديثه عن مشقة جمع إنتاجهن، فقد ذكر أنه مكث أكثر من عشر سنوات في جمع مادة كتابه التي وصفها بالقليلة، وقال: «ذلك أن شعر النساء يحاط دائماً بالتكتم وعدم الإذاعة، بل كثيراً ما تنظم المرأة الشعر فتخفيه، فينسى، وإن عرف فقد ينسب إلى غير قائله وخاصة بعض الأشعار التي تتصل العاطفة، وما أكثر هذا النوع من الشعر». إذن يمكن القول بأن ناظم النص الشعري، سواء في شعر الحداء أو أشعار النساء، ساهم في انفصال نصه عنه، فالفرسان لم يكن يعنيهم من أحدياتهم التي نظموها أن يوصفوا بالمبدعين أو أن تُخلد أبياتهم بقدر ما انصرف اهتمامهم الأكبر نحو التعبير عن نشوة الانتصار في المعارك والفخر بالشجاعة. أما النساء فقد حالت وضعها الاجتماعي بينها وبين التصريح بمشاعرها في قصائد عاطفية منسوبة إليها نسبةً صريحة كما أشار إلى ذلك ابن رداس.