غيّبَ الموتُ بالأمس الأديب عبدالله بن محمد بن رداس الحربي. بعد معاناة مع المرض. ليطوي بذلك صفحات من العطاء الثقافي والتسجيل اليومي لرافد من روافد الحياة الاجتماعية في المملكة. غياب ابن رداس جاء بعد أن وثق سيرة شاعرات البادية واعتنى بجمع قصائدهن. وسيرة حياتهن. وأسهم بوعي متقد وذاكرة حية في الاهتمام بالأدب الحكائي والسرد الشعبي. و«شاعرات من البادية» من كُتب التراث النادرة والخاصة بجمع قصائد شاعرات البادية وأشهر قصائدهن مع توضيح معاني مفردات الأشعار التي ضمها الكتاب بين دفتيه بطريقة يسيرة جداً تمكن الباحث والمتذوق من فهم معاني تلك الأشعار التي هى بلهجة أهل البادية الأصيلة والتي تختلف كثيراً عن لهجة سكان الحاضرة. صدر الكتاب في طبعات عدة نظراً لأهميته ولندرة ما جمع الراحل من قصائد نادرة. وفي حوار سابق مع ابن رداس كشف فيه أن الملك فيصل بن عبدالعزيز كلّفه في السبعينات بالقيام بجولة على البادية السعودية ضمن فريق عمل بهدف توطين البادية والبحث لها عن مقومات الحياة وتوفير الموارد. واستغرقت الرحلة عامين. وعلى هامشها جمع أديبنا الراحل كتاب شاعرات من البادية في أجزائه المتعددة. ما يؤكد شغفه بالثقافة وحبه لموروث العرب الشعبي. قرّضه الأديب حمد الجاسر في مقدمة الكتاب إذ قال «عُنيت الشعوب والأمم بالحفاظ على تراثها القديم من جميع نواحيه، لأنها رأت فيه ما يهيئ الباحثين لمعرفة كثير من الجوانب المتعلقة بماضي الأمة أو الشعب من أخلاق وعادات وتقاليد، وعلى أساس هذه الأمور يقوم كيان الأمة أو الشعب، وكتاب ابن رداس من الكتب المرجعية في أدب البادية والشعر الشعبي. وتميز بعنايته بالشاعرات عكس ما هو مألوف». فيما تناول ابن رداس في مطلع كتابه المصاعب التي واجهته في سبيل تأليفه وقال «هذه نماذج من شعر البادية، في عصرنا الحاضر، بلهجتنا التي تختلف عن اللهجة الفصحى، قصدت من جمعها تسجيل ناحية من نواحي أدبنا. رأيتُ في تسجيلها محافظة على تراثنا، وفيها فائدة يدركها من يتذوقون هذا النوع من الشعر وهم كثيرون في بلادنا. ولقد لقيت عناء كبيراً في سبيل جمع هذه النماذج، ولا أقول في سبيل اختيارها فهي ليست من مختار القول، ولا من جيد الشعر، وقد جعلت هدفي جمع ما أستطيع جمعه من شعر النساء، من أهل البادية في عصرنا، ولم أنح منحى الاختيار لأننا في حاجة إلى جمع التراث أولاً، ثم بعد ذلك نسعى لدراسته واستصفائه واختيار الجيد منه، والإبقاء على ما يستفيد به الباحثون في تاريخ أمتنا»، وأضاف «لقد مكثت أكثر من عشر سنوات في جمع هذه النماذج القليلة، ذلك أن شعر النساء يحاط دائماً بالتكتم وعدم الإذاعة، بل كثيراً ما تنظم المرأة الشعر فتخفيه، فينسى، وإن عرف فقد ينسب إلى غيرها خصوصا أن بعض الأشعار تتصل بالعاطفة، وما أكثر هذا النوع من الشعر». كتاب بن رداس ضم 400 صفحة من الحجم المتوسط، وتضافرت قصائد الكتاب لخدمة خمسة أغراض شعرية هي (الغزل، الوصف، المديح، الهجاء، الرثاء).