لقد أثر النزاع التجاري بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين على الاقتصاد العالمي وأضر بالأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم حيث يتهم الرئيس ترمب الصين بممارسات تجارية غير عادلة وبسرقات في مجال حقوق الملكية الفكرية وفي الصين ثمة اعتقاد بأن الولاياتالمتحدة تحاول كبح نهوضها. وفي الحقيقة هي مبررات صحيحة فالصين أغرقت أميركا بالبضائع الأقل تكلفة مما أثر على الصناعة الأميركية بالإضافة الى انتهاك حقوق الملكية الفكرية وفي المقابل تخشى أميركا أن تهدد الصين عرشها الاقتصادي كأكبر اقتصاد في العالم لأن هنالك توقعات من صندوق النقد الدولي بأن عام 2030 سوف تتجاوز الصينالولاياتالمتحدة الأميركية في حجم اقتصادها وهذا بالضرورة يحتاج الى تدخل سياسي لكبح ذلك النمو وهذا الوقت هو الأنسب لذلك. وقد استفادت الصين من اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي منحت التجارة البينية بين الدول مزيداً من الانسيابية والحرية وهو ما جعل البضائع الصينية تكون أكثر تنافسية في جميع دول العالم، وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحاب الولاياتالمتحدة من منظمة التجارة العالمية، مدعياً أنها تعامل بلاده بطريقة غير عادلة ولا يؤيد ترمب الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف ولذلك هو يريد أن يوقع اتفاقيات منفصلة مع الدول يفرض فيها شروطه التي تضمن للولايات المتحدة منافسة عادلة لا تؤثر على الاقتصاد الأميركي. الرئيس الأميركي ترمب جاء من خلفية تجارية فهو يعي تماماً خطر ذلك النمو الاقتصادي في الصين ولذلك مارس معها حرباً تجارية وحتى الآن فرض على الصين رسوماً جمركية على نحو 370 مليار دولار من البضائع الصينية ولوح بمزيد من الرسوم الجمركية، وقد ردت الصين بفرض رسومٍ بمليارات الدولارات على المنتجات الأميركية، ومع ذلك رضخت الصين للضغوط الأميركية عليها فوافقت أن تجلس على طاولة المفاوضات التي أسفرت عن توقيع المرحلة الأولى من الاتفاقية في 15 يناير حيث تم التوقيع عليها في البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي وهي خطوة في اتجاه انهاء النزاع التجاري المدمر للاقتصاد العالمي والذي استمر لأكثر من 18 شهراً بين أكبر اقتصادين في العالم. وقبل يومين من توقيع الاتفاقية استبعدت الولاياتالمتحدة الأميركية، الصين من قائمة "المتلاعبين بالعملة"، الاتفاقية في مرحلتها الأولى توصلت الى حل شامل حول معظم المشكلات التكنولوجية والخدمات المالية والمشتريات الإضافية للسلع الصينية وآلية حقيقية لتطبيق الاتفاقية أما الرسوم فقد بقيت ورقة ضغط في يد الرئيس الأميركي ترمب من أجل تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاقية وقد لا يكون هنالك مرحلة ثالثة إذا تم إنهاء كل المشكلات الخلافية في المرحلة الثانية حسب تصريحات ترمب، الاتفاقية في ظاهرها تصب في مصلحة أميركا ولكن الصين كانت حريصة أن لا تخسر سوقاً ضخماً للمنتجات الصينية وهي بذلك تقدم بعض التنازلات من أجل استمرار نموها الاقتصادي. ما يهمنا من هذه الاتفاقية أنها سوف تساهم في عودة نمو النشاط الصناعي للصين والتي تعد من الدول المهمة لاقتصاد المملكة العربية السعودية وشريك استراتيجي تعول عليه حكومة المملكة في تحقيق التنمية المستدامة للصادرات السعودية وتمثل الصين قوة اقتصادية رائدة وتعد مركز استهلاك ضخماً ومتنامياً للطاقة، وهي أحد أكبر وأهم الأسواق العالمية لأرامكو السعودية، ليس فقط في مجال إمداد النفط بل أيضًا كموقع مميز للاستثمار في مصافي التكرير والكيميائيات والخزن الاستراتيجي للنفط لمواجهة أي نقص محتمل في الإمدادات. وقد شهد العامان الماضيان حراكاً كبيراً لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الصين أسفرت عن زيارة مهمة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العام الماضي شهدت توقيع عدة اتفاقيات في هذا المجال بالإضافة إلى مشاركة الصين في المشروعات والصناعات العملاقة التي تعتزم المملكة البدء فيها، وقد تحسنت قيمة الصادرات السعودية وحققت نمواً متصاعداً على الرغم من تراجع أسعار النفط والمنتجات البتروكيميائية ففي العام 2018 ارتفعت بنسبة 51 في المائة عما تم تصديره في عام 2017 وواصل نمو صادرات المملكة في العام المنصرم 2019 حيث وصلت قيم الصادرات السعودية إلى الصين في تسعة أشهر أكثر من 131 مليار ريال وإن استمر هذا الأداء المتصاعد في الصادرات خلال الربع الأخير فإن الصادرات سوف ترتفع إلى حوالي 176 مليار ريال، لتحتل بذلك الصين المركز الأول بالنسبة إلى الشركاء التجاريين المستقبلين للصادرات السعودية، يرجع ذلك إلى الارتفاع في قيمة الصادرات النفطية بالإضافة إلى الصادرات غير النفطية التي ارتفعت بنسبة 56 في المائة، وذلك بسبب الارتفاع الهائل في صادرات اللدائن والمنتجات الكيميائية العضوية. أيضاً من المتوقع أن تكون المناطق اللوجستية التي تعتزم المملكة إطلاقها جاذبة للمصانع الصينية لعرض منتجاتها وتكون منفذاً لإعادة تصديرها إلى أوروبا وإفريقيا وتدعم بذلك زيادة عدد الزيارات للمملكة من قبل رجال الأعمال بالإضافة إلى تدعيم إيرادات المملكة غير النفطية وفتح مجالات وظيفية للسعوديين، أيضاً هنالك تعاون للاستفادة من التطور التقني في الصين في مجالات الاتصالات وتقنية الجيل الخامس وإنترنت الأشياء حيث تعتزم المملكة أن تكون من الدول المتقدمة في استخدام التقنية في كافة القطاعات والتي من شأنها تبسيط الإجراءات وتقليل التكاليف وزيادة الرقابة على الأداء. الهند هي الأخرى محط اهتمام كبير لحكومة المملكة حيث إنها تعد الدولة الثانية في استقبال الصادرات السعودية ولديها نمو اقتصادي كبير حيث بلغت صادرات المملكة في تسعة أشهر من العام الماضي حوالي 75 مليار ريال تليها اليابان بحوالي 74 مليار ريال وهذه الدول الثلاث هي محور اهتمام حكومة المملكة من أجل تكوين شراكة استراتيجية معهم والتي من المتوقع أن تسفر عن رفع نسبة قيمة الصادرات السعودية إلى هذه الدول مع حلول العام الحالي إلى حوالي 50 % من إجمالي الصادرات. حسين بن حمد الرقيب