عبدالله بن حبتر مال الاقتصادية - السعودية منذ الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي عام 2008 وما تبع ذلك من تداعيات اقتصادية على المستوى العالمي والأمريكي خصوصا، كارتفاع معدلات البطالة، وتأثر أسواق الأوراق المالية بوجه عام، وضعف الدولار وانخفاض قيمته مقارنة بالعملات الرئيسة، فقد بلغ أدنى مستوى له عند 71 نقطة عام 2008 ، حسب مؤشر الدولار الأمريكي -والذي يقيس أداء الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات الرئيسة – إضافة لأزمة الدين الأمريكي، والتي كانت مصدر قلق للمستثمرين في السندات الأمريكية، وخطر التخلف عن السداد، وما صاحب ذلك من خلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن رفع سقف الدين، كل ذلك أدى إلى مزيد من القلق حول الوضع الحالي والمستقبلي للعملة الأمريكية، نتج عن ذلك دعوات في أن توجد عملة احتياطية أخرى غير الدولار، وكانت الأنظار تتجه نحو اليوان الصيني بحكم أن الصين هي المنافس الأول للاقتصاد الأمريكي، فهو يقع في المرتبة الثانية وتشير بعض الدراسات الاقتصادية في أن يتفوق عليه في السنوات القادمة، ويصبح أكبر اقتصاد في العالم. فهل من الممكن أن يكون اليوان الصيني عملة احتياطية منافسة للدولار؟ إن مناقشة ذلك من منظور اقتصادي قد يكون أمرا مقبولا نوعا ما،، وإن كان في ذلك قصورا في فهم عوامل القوة التي اكتسبها الدولار الأمريكي بغض النظر عن اتفاقية بريتون وودز والتي تم فيها ربط الدولار بالذهب، وتخلي الحكومة الأمريكية عن تلك الاتفاقية بعدما ضمنت لعملتها موقع الصدارة في تعاملاته اليومية، وكأنه العملة الوحيدة عالميا، وهل تلك العوامل متاحة للايوان الصيني حتى يتبوأ هذه المنزلة، أم أن الإيوان الصيني من الخدعة التي جعلتنا نظن أن الاقتصاد الصيني منافسا قويا للاقتصاد الأمريكي، وأنه بعيدا كل البعد في أداءه عن الأهداف الأمريكية، وكبح جماح ذلك التنين. إن الحديث عن العلاقات التجارية الأمريكيةالصينية يجعلنا نراجع ولو بشكل مختصر إلى عاملين مهمين أحدهما يتعلق بالعلاقات التجارية والسياسة الدولية، وهو ما يُعرف ب "الدولة الأولى بالرعاية" " Most Favoured Nation MFN "، والآخر يتعلق بإحدى نظريات التجارة الدولية يطلق عليها " نظرية الميزة النسبية أو التنافسية" Comparative Advantage Theory ، .. ولكن ما علاقة ذلك بموضوع المقال. سنبدأ بالجانب الاقتصادية بداية الحكاية .. حينما بدأت المنتجات الآسيوية خصوصا اليابانية والكورية منها تغزوا الأسواق العالمية، وتشكل تهديدا لبعض المنتجات الأمريكية، وتميل الكفة لصالحها، أدى ذلك أن تحقق تلك الدول مكاسب تجارية، نظير انخفاض أسعارها مما أضعف منافسة مثيلاتها الأمريكية، ويرجع ذلك لعدة أسباب، أهمها انخفاض تكاليف الإنتاج في تلك الدول ، عندها بدأت أنظار المستثمر الأمريكي تتجه للصين. في عام 1979 تم منح الصين حالة الدولة الأولى بالرعاية من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، حصلت الصين بموجبه على امتيازات اقتصادية مكنت الصين من الدخول بمنتجاتها إلى الأسواق العالمية ، إضافة لزيادة تدفقات رؤوس الأموال الأمريكية إليها، وارتفاع استثمارات الشركات الأمريكية في السوق الصينية، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة ، لماذا الصين تحديدا ؟ وما هي أبرز الاستثمارات الأمريكية فيها؟ ذكرنا في بداية المقال الميزة التنافسية، وتعريفها، وهذه أحد أهم نظريات التجارة الدولية، والصين بناءا على ذلك تتميز بوفرة عظيمة في عنصر العمل، ، تلك الميزة أدت أن يكون عرض العمل فوق طاقة استيعاب الاقتصاد الصيني والذي يعني أجورا متدنية أكثر مقارنة بالدول الأخرى، تلك الميزة منحت الصين حالة " الدولة الأولى بالرعاية "، مما كان في مصلحة الاقتصاد الصيني وكذلك الأمريكي، عندها بدأت الشركات الأمريكية تزيد من استثماراتها النوعية في الصين خصوصا في المجال التقني، والكمالي المتعلق بالصناعات المتقدمة ، الأمر الذي أدى أن تستعيد تلك الشركات هيمنتها وقدرتها على المنافسة، إضافة لتركز الاقتصاد الأمريكي على الصناعات المتقدمة كالبرمجيات وصناعة الطائرات والسيارات والسلاح. وبنظرة سريعة لبعض المؤشرات الاقتصادية، للعلاقة التجارية الأمريكيةالصينية نجد أنه في عام 1985 بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولاياتالمتحدة ما يقارب 3 مليارات و 860 مليون دولار، في حين كانت عام 2014 ما يقارب 467 مليار بمعنى 120 ضعف عن عام 1985، بينما كان الناتج المحلي الإجمالي قبل أن تحصل الصين على ميزة الدولة الأولى بالرعاية 148 مليار دولار، في حين بلغ عام 2014 ما يقارب 9240 مليار دولار أي 9 ترليون دولار، والرسم البياني أدناه يبين الناتج المحلي الإجمالي للصين واتجاهه قبل وبعد حصول الصين على لقب "الدولة الأولى بالرعاية". أما فيما يتعلق بحجم الصادرات بيت البلدين، فقد بلغت الصادرات الأمريكية للصين ما يقارب 7.6% من إجمالي صادراتها، في حين كانت الولاياتالمتحدة أكبر وجهة للصادرات الصينية بنسبة 19%، وهذا يعني أن نمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل 1% يقابله تقريبا نمو في الجانب الصيني 2% . أما فيما يتعلق بالجانب السياسي والعسكري، فقد كشفت الهيمنة الأمريكية عن بعدين مهمين له انعكاساته على المستويين السياسي والاقتصادي الصيني. أولهما الدور التي تلعبه الصين في التقارب بين كوريا الشماليةوأمريكا وفق المصالح الأمريكية، رغم أن الصين هي الحليف الوحيد لكوريا الشمالية، نظير التوافق في الأفكار الحزبية بين الدولتين، إضافة للدعم الأمريكي الواضح والصريح سياسيا وعسكريا لتايون، والتي تعتبرها لصين إقليما متمردا. أما الآخر، فيتمثل في انخفاض معدل النمو في الاقتصاد الصيني نتيجة تأثره غير المباشر بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا وأوروبا على روسيا، فكيف لو كانت تلك العقوبات على الصين ذاتها. ومن ذلك نجد أن عوامل قوة الدولار لا تكمن في الجانب الاقتصادي وحده، بل أن هناك جوانب أخرى تقنية وسياسية وعسكرية، فهل بعد ذلك " سيصبح اليوان الصيني عملة احتياطية منافسة للدولار". AbdullahHabter@