جمعية "حماية المستهلك" قوة ناعمة تضع المستهلك نصب أعينها، تحمل مسؤوليات وتواجه تحديات كبيرة، وتخطط للمستقبل، وتأمل أن ترتقي ثقافة الوعي لدى المستهلك ومقدمي الخدمات، كي تتلاشى النزاعات، وتحظى بالثقة الكاملة من الأطراف كافة، وكما يؤكد د. ناصر فهد بن دهيم - المدير التنفيذي لجمعية حماية المستهلك - أن نسبة جيدة من المجتمع بدأت تتفهم دور الجمعية بشكل أفضل نتيجة للحملات التوعوية المستمرة بهذا الشأن، ولمزيد من التفاصيل حملنا حقيبة الأسئلة إلى المدير التنفيذي لجمعية حماية المستهلك، وكانت إجاباته واضحة جلية، وفيما يلي نص الحوار. نقلة نوعية * ما أهم التحديات التي واجهتكم من البداية وحتى الآن؟ * واجهت الجمعية العديد من التحديات، مالية وإدارية وثقافية، وكان أهمها عدم وجود خطة استراتيجية للجمعية منذ تأسيسها حتى الربع الأخير من عام 2021، حيث أطلقت الجمعية رسمياً أول خطة استراتيجية لها بعد دراسة الوضع الراهن والمقارنات المرجعية، وتعد الخطة التي ستنتهي بنهاية هذا العام نقلة نوعية في الجمعية من الجوانب المالية والإدارية والأنشطة التنموية في مجالها، وما زال أكبر تحدّ هو ثقافة المجتمع، وخصوصاً في مفهوم حماية المستهلك، ودور الجمعية الذي لم يكن واضحاً في السابق، ولعل من أبرز إنجازات هذه الإستراتيجية التي بدأت في عام 2021؛ مالياً: لقد كانت الجمعية تعتمد على مصدر دخل واحد وهو استقطاع الغرف التجارية، وأصبح اليوم لدى الجمعية ثلاثة مصادر دخل جديدة تغطي 47 % من تكاليفها التشغيلية، وأصبحت تحقق فوائض في موازنتها، كما تم العمل على كفاءة الإنفاق، حيث زادت الإنتاجية والتوفير بنفس مستوى أو أقل من معدلات الصرف قبل الإستراتيجية الجديدة، وإدارياً: كان لدى الجمعية في عام 2021 ما يقارب سبع سياسات أو لوائح داخلية معتمدة، وتم رفع مستوى حوكمتها، حيث أصبح لديها اليوم 22 سياسة تنظيمية تساهم في تنظيم العمل الداخلي، وفي التميز المؤسسي: حصلت الجمعية عام 2021 و2022 على الجائزة الوطنية للتطوع كما حصلت على شهادة الأيزو لأنظمة الجودة، وتسعى حالياً لتحقيق عدة شهادات تعكس تميز المنظومة الداخلية وكفاءتها، كما ارتفع معدل تدريب الموظفين واعتماد دليل للمكافآت التحفيزية، وفي الأنشطة التنموية: وهي الأنشطة التي تنفذها الجمعية لخدمة رؤيتها ورسالتها في حماية المستهلك، فقد كان لدى الجمعية ثلاثة أنشطة أو مبادرات تركز على التوعية، واليوم لديها 15 مبادرة تركز على الشمولية والتنوع. غير صحيح * إذا كانت الجمعية بقيمتها ورسالتها تأثرت بارتفاع الإيجارات، فماذا يفعل المواطن؟، هل زيادة الإيجارات لا تدخل ضمن اختصاصاتكم؟ * هناك إشاعات أن الجمعية لها علاقة بتنظيم الأسعار في الأسواق، وهذا إدعاء غير صحيح، حيث إن النظام في المملكة - حسب الأنظمة الصادرة من مجلس الوزراء - مثل نظام المنافسة ومعاهدات منظمة التجارة العالمية، تؤكد على أن السوق السعودي مفتوح ولا تتدخل أي جهة في تنظيم الأسعار للسلع أو الخدمات ما لم يكن هناك انتهاك لعدالة المنافسة أو مرسوم ملكي بدعم سلع معينة مثل الوقود حالياً، كما أن جمعية حماية المستهلك جمعية أهلية، والجمعيات ليس لديها أي صلاحيات تنظيمية أو تشريعية، بل يتم إشراك الجمعية وطلب رأيها من جميع قطاعات الدولة فيما يخدم المستهلك وتمثله الجمعية بتقديم الرأي للجهات المعنية. توعية سلوكية * هل المواطن السعودي والمقيم لديهما الوعي الكامل بدور الجمعية؟ * مرت الجمعية بمراحل كثيرة منها أنها كانت تسوّق لدورها بشكل غير صحيح، وهذا شكّل تصوراً بأن دورها هو تنظيم الأسعار أو مكافحة الغش، وأن لديها صلاحيات تنفيذية، وفي العام الماضي تحسنت هذه الصورة بشكل كبير، حيث بدأت نسبة جيدة من المجتمع بفهم دور الجمعية بشكل أفضل نتيجة للحملات التوعوية المستمرة بهذا الشأن. * كيف تزيدون الوعي للمواطن المستهلك ومقدم الخدمة؟، وهل لديكم خطة لذلك؟ * اعتمدت الجمعية في السابق على التوعية القانونية والتوجيه لجهات الاختصاص بعد وقوع المشكلة، ونشرت خلال السنوات السابقة أكثر من 1000 منشور توعوي، لكن خلاصة تجربتنا أن التوعية القانونية نتائجها ضعيفة، وخصوصاً أن المستهلك يلجأ لها بعد وقوعه في المشكلة، لذلك نركز حالياً على التوعية السلوكية والخدمات الاستباقية قبل الوقوع في المشكلة، على سبيل المثال تقدم الجمعية خدمة فحص المتاجر الإلكترونية مجاناً قبل الشراء وفحص العقود التجارية قبل توقيعها، وتقدم رأيها حتى تكون هذه المساعدة توعوية وبنفس الوقت وقائية للمستهلك، وقد نفذت الجمعية في عام 2023 أكثر من 1700 طلب فحص متجر إلكتروني بناء على طلب المستهلكين ونسبة كبيرة منها غير موثوقة، وأطلقت الجمعية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المستهلك "أكاديمية حماية المستهلك" وهي منصة تعليمية إلكترونية تقدم برامج تدريبية قصيرة منتهية بشهادة لعموم المستهلكين الأفراد في المملكة، وكذلك للشركات والمؤسسات لتدريب منسوبيها على حقوق المستهلك ومعايير التجربة المميزة للمستهلك في السوق السعودي. ثنائي التواصل * كيف يلجأ إليكم المواطن والمقيم؟، ومتى يلجأ إليكم؟ * عبر مركز خدمة المستهلك نظام إلكتروني ثنائي التواصل يضم مميزات متعددة لدعم المستهلك ليس فقط من قبل ممثلي الجمعية، بل يوجد ممثلون للشركات التي وقعت شهادات الالتزام مع الجمعية ومحامين متطوعين عند الحاجة، وعبر المركز يتم تقديم خدمة التوجيه للجهات المختصة أو الاستشارات القانونية أو فحص المتاجر الإلكترونية والعقود وأيضا تقديم المقترحات للجمعية. * ما الآليات التي تعملون من خلالها لرد الحقوق أو التحقيق في الشكاوى؟ * ليس لدى الجمعية حالياً صلاحيات مباشرة لرد الحقوق ولكن تقوم الجمعية بتسوية النزاعات، إذا كانت الشركة موقعة التزام مع الجمعية، أو إذا كانت قيمة النزاع أو الخلاف كبيرة يمكن توكيل محام متطوع أو كتابة صحيفة دعوى ودعم قانوني. إيجاد آليات * كم عدد الشكاوى التي تم البت فيها؟، وما مدى جدية الشكاوى؟ * أغلب الشكاوى تنتهي بالتوجيه للمستهلك بالتوجه للجهة المشرفة على القطاع وتوضيح الإجراءات النظامية لتصعيد الشكوى، ونسبة كبيرة من الشكاوى التي تصل للجمعية مطالبات صغيرة لا تشكل قيمة النزاع أكثر من 300 ريال، وهذا النوع يصل لأكثر من 80 % من الشكاوى التي تصل للجمعية، ونأمل أن تركز الأنظمة المحدثة من الجهات الحكومية التشريعية على إيجاد آليات حلول سريعة للمطالبات الصغيرة حيث سيساهم ذلك في تخفيف العبء على جميع الجهات. * هل لديكم المقرات الكافية في مناطق المملكة لتغطيتها جغرافياً؟ * تقدم الجمعية خدماتها لكافة المستهلكين في مناطق المملكة افتراضياً، عبر مركز خدمة المستهلك الذي اطلق في عام 2022، وحسب الإحصائية عدد المسجلين في النظام تجاوز 30 ألف مستهلك من جميع المناطق الإدارية في المملكة. معايير محددة * حدثنا عن برنامج شهادات الالتزام؟، ولمن تمنح؟ * شهادات الالتزام من الأنشطة التنموية الجديدة في الجمعية، التي تركز على القطاع الخاص، وعبرها توقع الشركة طوعياً التزام مع الجمعية بمعايير محددة وضعتها الجمعية، بالإضافة لتعيين ممثل للجمعية على مركز خدمة المستهلك لتساهم الجمعية في تسوية الخلافات مباشرة بين المستهلك وممثل الشركة، وحالياً وقعت أكثر من 32 شركة كبرى بما يزيد على 2000 معرض حول المملكة، وتسحب الشهادة من الشركة في حال وصول أكثر من 50 شكوى غير معالجة في العام، ولاحظنا التزاما عاليا من الشركات التي التحقت بالمبادرة. معيار سعودي * حدثنا عن تطوير المعيار السعودي لتجربة المستهلك، وما فائدته؟ * حماية المستهلك مصطلح معقد؛ لأنه مبني على مستويات متعددة، واكتمالها يتفاوت من دولة وأخرى، والمستوى الأول هو توفر المنتجات والخدمات بالكميات والأنواع المختلفة التي تلبي احتياج المستهلك وتجعله مطمئنا حين يستطيع الحصول عليها في أي وقت، والمستوى الثاني سلامة المنتجات والخدمات، وهنا يصل السوق للانتقائية ليس فقط في توفير المنتجات والخدمات، بل وضع معايير ورقابة تضمن مستوى سلامة مرتفع، ويقلل من الآثار السلبية غير المتوقعة على المستهلك، والمستوى الثالث معالجة استفسارات وشكاوى المستهلك ذات العلاقة بالمنتجات والخدمات سواء قبل أو بعد الشراء بطرق احترافية وسهولة الوصول لهذه الخدمات، ويمكن تسميتها خدمة عملاء احترافية، والمستوى الرابع الدول التي يصل فيها النضج لأركان حماية المستهلك، تكون مستهدفة بمحاولات متطورة للاحتيال والغش، وهنا يأتي دور المجتمع بالتكامل مع الجهود التنظيمية لتقليل فرص هذه التنظيمات التي تعتمد بشكل أكبر نجاح محاولاتها على ضعف وعي المستهلك، أما المستوى الخامس: هو وجود معيار واضح لتجربة المستهلك في السوق، بحيث يشكل هذا المعيار قوة ناعمة لا يمكن للمستثمر النجاح إذا تجاهلها، وهذا المعيار يحدده ويقوم بتفعيله المستهلك الواعي الذي لا يقبل المنتج أو الخدمة دون المستوى المتوقع من التجربة المميزة، وهدفنا في هذا المشروع هو بناء المعيار السعودي لتجربة المستهلك بالشراكة مع المستهلك، ليصبح الحد الأدنى من التجربة التي يقبل بها المستهلك خصوصاً لخدمات ما بعد البيع. قوة ناعمة * هل وصلتكم شكاوى طريفة أو مضحكة؟ * تصلنا بعض الأحيان شكاوى غريبة نوعاً ما ولكن نسعى دائماً لتقديم الاستشارة والدعم قدر الإمكان مع جميع أنواع الشكاوى بدون الحكم على جديتها، أحد الشكاوى التي أذكرها، أحد المستهلكين رفع شكوى على مقهى، يدعي أنه طلب من المقهى وضع حليب قليل الدسم أو من هذا القبيل، وأنه بعد أن ذهب للمنزل وجد أن الحليب المضاف للقهوة ليس كما طلب وأنه متأكد من صحة كلامة وأنه يحتفظ ببقية المشروب، ويطالب بفحصه مخبرياً ومعاقبة المقهى. * ما المنتجات التي تخضع لسلطتكم الرقابية؟ * ليس لدى الجمعية أي سلطة رقابية، هي قوة ناعمة تمثل المستهلك وتساهم بذلك عبر اللجان الرسمية التي تُدعى لها، كما أنها تركز على توعيته ووقايته من الوقوع في المشكلة عبر الخدمات الاستباقية التي بدأت بتقديمها وتسعى لتطويرها.