هناك جمهور عريض مفتون بالقطع الأثرية "الأنتيك"؛ ويستمتعون بتأمل القطع الاستهلاكية منها أكثر من تلك التي كانت تستخدم كديكورات مثلا، حتى لو فاقتها الأخيرة في العمر. فمثلا إبريق الشاي الذي أنتج في القرن الثامن عشر أو الطاولة التي صنعها نجار في العصر الفيكتوري؛ تفوق في قيمتها المعنوية - لدى العديد من محبي هذا الفن - قطع الأنتيك التي تسبقها بمئات السنين رغم أن كليهما أثريان لأنهما صنعا بواسطة إنسان وضع فيها جزءا عزيزا من روحه، وتتمتع بذلك النقص البشري الجميل وتلك اللمسة الإنسانية التي بدأت تتضاءل الآن بسبب مزاحمة منتجات المصانع والآلات. أما عن تفضيل القطع الاستهلاكية مثل أدوات المطبخ وقطع الأثاث وغيرها فلأنها كانت شاهدة على الأيام التي عاشها أصحابها بحلوها ومرها وتحمل جزءا من ذكرياتهم وطاقتهم، وكل قطعة منها معبأة بالحكايا والقصص حول تفاصيل حياتهم. أعود للحديث عن الأصالة وجمال القطع التي أنتجها الإنسان مقابل ما تضخه المصانع اليوم؛ تأمل كل ما يحيط بك الآن والدقة المتناهية التي صنع بها، تلك الدقة المملة والباردة مثل برودة الآلات التي صنعتها، لقد أصبحنا نفتقد لجمال النقص البشري في الصناعة، ولا أتحدث هنا عن المصنوعات الرديئة التي قام بإنتاجها صناع يفتقرون للإبداع والمهارة، بل عن تلك الصناعات التي عكف عليها حرفيون ماهرون ووصلوا بها إلى درجة الكمال إلا قليلا. هذا النقص هو ما يميز حرف الإنسان وأعماله وإبداعاته عن إنتاج المصانع ولذلك تجد المكان الذي يحتوي على قطع الأنتيكات يضج بطاقة جميلة وينبعث منه شعور حميمي. النقص أحيانا في حد ذاته جمال، وربما يلخص هذه الفكرة فن ال"كينتسوغي" الياباني، إذ تحكي الأسطورة أن إمبراطورا أرسل فنجان الشاي المفضل لديه إلى الصين ليتم إصلاحه هناك بعد أن انكسر، عاد إليه الفنجان مشوها بعد أن أصلحه حرفيو الصين بقطع معدنية مشوهة، فأوعز لحرفيين يابانيين بإعادة إصلاحه وخلال عملية الترميم قام الحرفيون بملء شقوق الفنجان بمزيج مسحوق الذهب ليتحول إلى قطعة فنية أخاذة، تفوق في رونقها حالة الكمال التي كان عليها الفنجان قبل أن ينكسر، من هنا انطلق هذا الفن الذي يرى الجمال في النقص وبنيت عليه فلسفات تدور حول هذا المفهوم. اليوم أصبح واضحا أن منتجات المصانع ستسيطر بشكل تام على الإبداعات البشرية، وستكون المنتجات المصنوعة يدويا غالية الثمن ليس فقط لندرتها، بل لأن نقل الحرف اليدوية عبر الأجيال سيقل ويتضاءل مما سيتسبب في اندثار الكثير منها للأسف، وانطفاء لون جميل من ألوان الإرث البشري الرائع.