حثها حب المعرفة واستفز قدراتها وبَرّى قلمها، حتى صارت ضليعة في توشيح المعاني المعرفية بلغة الضاد؛ لتساهم في إثراء المحتوى العربي والمكتبة السعودية، وتحقق الغاية الإنسانية النبيلة.. المترجمة مها الفالح أحد البارزين هذا المجال الإنساني، حيث إن الترجمة كما قال الروائي عمارة خوص: «رحلة بحرية من ضفة إلى أخرى». عاشت الفالح برفقة الثقافة منذ صغرها حين ترعرعت في مناخ عائلي مترع بالعلوم والآداب؛ بفضل سعة إطلاع أبويها وميلهما إلى العلم، وقد تأثر تكوينها في أعقاب عمل أبيها في ممثليات المملكة، حيث تنقلوا بين بلدان متعددة مثل: باكستان وفرنسا وبريطانيا، مما ساعدها على الاحتكاك بحضارات وثقافات مختلفة. وبالنسبة إلى والدتها تمكنت من دراسة الترجمة في جامعة الملك سعود، بينما اشتغلت جدتها لأمها ذات الأصل الألماني بالترجمة. من هذه النقطة انطلقت الفالح منسلة من شغف عائلتها بأدوات إبداعية؛ إذ وجدت نفسها مولعة في استيراد معارف الأمم وأفكار قاماتها، وبعدئذ تعكف على تعريبها وتشذيبها لتكون زاداً للعقل وغذاء للوعي، ومن جهودها أنها أسست منصة «أنا مترجم» بداية عام 2012م، وهدفت من خلالها إلى تأهيل طلاب الترجمة الناشئين وتدريب المترجمين المحترفين؛ وذلك في شتى مجالات الترجمة العلمية والعملية والبحثية، كما توفر المنصة مقالات أسبوعية ودورات تدريبية واستشارات فردية. وقد تحصلت الفالح على ماجستير في الترجمة السمع بصرية من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، إضافة إلى أنها عملت رئيساً لقسم الترجمة والتدقيق اللغوي في مشروع خدمات الترجمة، زيادة على أنها عضو في الجمعية الأوروبية لدراسات ترجمة الشاشة، وعضو في الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة. وإلى جانب أنها أنتجت أعمالاً معربة ومعجمة ضمن مبادرة «ترجم»؛ برعت الفالح في نقل أحد الإصدارات القصصية الباذخة بالبهاء لهيئة الأدب والنشر والترجمة « Tales from Saudi Arabia»، وكذلك من ترجماتها المميزة والمثيرة للأذهان كتاب «اسأل فيلسوفاً» للكاتب إيان أولاسوف الذي خط كتابه معتمداً على إجاباته على تساؤلات وجهت له دون استعداد منه. وقد توَّجت مسيرة الفالح ب»جائزة الترجمة» ضمن مبادرة «الجوائز الثقافية الوطنية» في دورتها الثالثة؛ التي تقيمها وزارة الثقافة سنوياً لتشجيع الإنتاج الثقافي وتحفيز المثقفين ودعم المواهب، وجاءت الجائزة تقديراً لجهودها المعطاءة ومشاركتها في الحراك الترجمي بالمملكة. إذ إنها تعد من أبرز المترجمين الذين زادوا من وتيرة هذا العمل الثقافي، خصوصاً أن «تقرير الحالة الثقافية 2022» رصد هذا التصاعد في ذلك العام من خلال 524 عملاً وفد إلى العربية من 12 لغة مختلفة، تخللها 321 عملاً منبثق من مبادرة «ترجم»، علاوة على 20 عملاً بالعربية تُرجم إلى ست لغات.