لم تكن الصناعة في المملكة وليدة اللحظة بل بُنيت على مدى تاريخ ممتد وإرث عريق لعقود طويلة بدءًا من مرحلة اكتشاف النفط إلى وقتنا الحاضر، حيث كان النفط العمود الفقري والركيزة الأساسية التي قام عليها القطاع الصناعي من بين قطاعات تنموية أخرى. ولقد جاءت رؤية المملكة 2030م لترسم خارطة طريق لتنمية مصادر الدخل وتطوير الاقتصاد الوطني وتنويعه بعيدًا عن الاعتماد على النفط وحدهن. وتُعدُّ الصناعة من أهم الروافد الاقتصادية في هذه الرؤية حيث يُخطّط لمساهمة قطاعي الصناعة والتعدين لأن تتجاوز 15 % من الناتج المحلي الإجمالي السنتين القادمتين. وفي هذا المقال سنركز على دور الأحمال الصناعية في كيفية استهلاك الطاقة الكهربائية وما يشكله القطاع الصناعي من نمط استهلاك مختلف متباين عن القطاعات الرئيسة الثلاثة وهي السكني والتجاري والحكومي. وبالطبع فإن لكل قطاع من هذه القطاعات الثلاثة سماته وخصائصه المرتبطة به من حيث حجم الاستهلاك الكهربائي وفتراته وموسمه وسيتم الحديث عن تلك القطاعات في مناسبات قادمة بعون الله. يعتبر القطاع الصناعي من أكثر القطاعات الثلاثة المذكورة آنفًا ثباتًا وديمومة واستقرارًا في الطلب على الطاقة الكهربائية بحكم أن معداته وآلاته وأجهزته الإنتاجية تعمل على نحو دائم ومستمر طوال الأربع والعشرين ساعة دونما توقف أو انقطاع. لهذا فالمشترك الصناعي يحتاج لطاقة كهربائية مستمرة وغير قابلة للانقطاع أو التوقف نظرًا للحاجة المستمرة والدائمة للإنتاج الصناعي وتتابع دوراته وتعدد خطوطه والوفاء بالتزاماته في توفير المنتجات الصناعية المطلوبة للعملاء والمستفيدين. إن انقطاع الطاقة الكهربائية عن المستهلك الصناعي يعني توقف العمل وتعطل الإنتاج الأمر الذي يمثل خسارة في الدَّخل وتكاليف إضافية في دفع أجور العاملين وربما تردي وفساد وتلف المنتجات الصناعية. وتعتبر الأحمال الصناعية من أكثر الأحمال ثباتا واستقرارًا طوال الفترة الزمنية المعتبرة (يوم، شهر، سنة) مقارنة بالأحمال الأخرى حيث إن حاجة المصنع للطاقة الكهربائية مستمرة لضمان استمرار الانتاج وتواصل عملياته والتي لا تخضع لفترات زمنية محددة مثل الصباح والمساء أو موسمية مثل الصيف والشتاء، ولذا يعتبر الحمل الصناعي مهم جدا في الاسهام فيما يعرف ب "الحمل الأساسي" وهو الحمل الكهربائي الدائم الذي يتحتم على جهة الإمداد (شركة الكهرباء) تلبيته وتغطيته لجهة الطلب (المشتركون)، وكلما زاد الحمل الأساسي كلما ساعد ذلك في تخفيف نفقات التكاليف عن كاهل الشركة حيث إن وحدات التوليد تكون من النوع ذي الكفاءة العالية والنفقات التشغيلية المنخفضة، لذا فإن القطاع الصناعي يجب أن يعطى ميزات من أجل تشجيعه وتطويره وتحسينه نظرا لما له من دور محسوس في التوظيف والإنتاج وتوفير المستلزمات وتنشيط الاقتصاد الوطني. كما أن الحمل الصناعي يمكن أن يستخدم في تخفيف الأحمال وقت الذروة وهي الوقت الذي تتكالب وتتجمع فيها جميع أنواع الأحمال الكهربائية (السكني، التجاري، الصناعي، الحكومي، الزراعي) في الطلب على الطاقة الكهربائية في وقت واحد (من الثانية عشرة ظهراً وحتى الخامسة مساء)، حيث يرتفع الطلب ويتعاظم الاستهلاك خلال هذه الفترة الزمنية (وبخاصة أثناء فترة الصيف حيث الاستخدام المكثف لأجهزة التكييف) الأمر الذي قد تضطر الشركة معه إلى تشغيل معظم ما لديها في المحطة من وحدات التوليد وبالتالي تتكبد تكاليف تشغيلية باهظة جراء ذلك. ولقد اعتبر أن الحمل الصناعي لهو الحمل الكهربائي الذي يمكن إزاحته عن تلك الفترة الزمنية المعروفة بحمل الذروة أو الحمل الأقصى حيث إن عمليات الإنتاج الصناعي يمكن أن تتم في أي وقت وبالتحديد في الأوقات التي ينخفض فيها الطلب على الطاقة الكهربائية والمعروفة ب"خارج أوقات الذروة" والتي تبدأ من منتصف الليل وحتى السادسة صباحاَ، ولذا فإن من أهم أساليب تخفيف الأحمال وقت الذروة للمصانع يأتي عن طريق تطبيق تعرفة تحفيزية ومشجعة للحمل الصناعي خلال استهلاكه للطاقة الكهربائية خارج أوقات الذروة تكون منخفضة عن تلك الأسعار المطبقة، وفي هذا مزايا مزدوجة لكل من شركة الكهرباء بزيادة دخلها من جهة واستفادة المصنع من الطاقة الكهربائية المتاحة بأسعار مخفضة ومعقولة من جهة أخرى. وهناك نقطة أخرى يحريٌّ أن يلفت لها النظر حيث إنها جديرة بالبحث والإيضاح ذات علاقة بالتعرفة وهي أن الأحمال الصناعية تمثل معدات وآلات متحركة من شأنها أن تنتج طاقة كهربائية غير فاعلة من شأنها أن تمثل عبئًا على شركة الكهرباء وعلى شبكاتها ومحولاتها وتغير من ذبذبتها وتياراتها الكهربائية، ولكي يتم علاج هذه الظاهرة فإن على المصانع أن تقوم بتصحيح معامل القدرة لديها وبالتالي يتم علاج وإزالة هذه الظاهرة غير المرغوبة مما يتيح للمصانع أن توفر طاقة كهربائية إضافية يمكن استغلالها والاستفادة منها في شئون شتى منها إما بيعها كطاقة فائضة لشركة الكهرباء أو الاستفادة منها في توسعات مستقبلية دون الحاجة لطلبها من جهة الإمداد. وبالنسبة لهيكل التعرفة المطبق لدينا حاليا فيُرى إعادة دراسته حيث لم يُبْنَ على أسس إقتصادية أو ترشيدية واضحة المعالم تأخذ في الاعتبار تحجيم الهدر والإسراف في استهلاك الطاقة الكهربائية، إنما يقوم على نظام شرائح الاستهلاك فحسب. إن ما تحتاجه شركة الكهرباء لهو الحد من تكالب الاستهلاك في وقت الذروة (بين الساعة الثانية عشرة ظهرًا والخامسة مساءً) وإزاحة أجزاء منه خارج أوقات الذروة والذي يقوم الحمل الصناعي بدور كبير فيه، وهذا ما يعرف ب"استراتيجيات إدارة الأحمال"، إذ أن شركة الكهرباء تتكبد مصاريف تشغيلية باهظة خلال هذه الفترة القصيرة ربما لا تكفي أسعار الشرائح في تغطية تكاليفها. إن تكلفة الإنتاج تتأثر بعامل الزمن حيث إنها تكون أعلى خلال فترة الحمل الذروي (الحمل الأقصى) مقارنة بالفترات الأخرى، لذا فالمتبع في "استراتيجيات إدارة الأحمال" أن يكون ثمة تعرفة زمنية بحيث تكون أعلى خلال الفترة التي يصل فيه الطلب الكهربائي إلى ذروته وأقل عندما يصل إلى أدناه، وهذا يعمل على تخفيض مستويات الأحمال القصوى من جهة ويرفع من مستويات الأحمال الدنيا من جهة أخرى الأمر الذي يساعد على تقليص تكاليف الوقود والتشغيل والصيانة التي تتكبدها شركات الكهرباء وربما ينعكس أثرها الإيجابي على تخفيض تعرفة الاستهلاك. * جامعة الملك سعود