تعد الصناعات العسكرية والدفاعية عنصراً أساسياً لتطوير قواتنا المسلحة، وعاملاً رئيساً في الحفاظ على الاستقرار أمنياً واقتصادياً، وتساهم في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال تصنيع أسلحة نوعية وفاعلة بحيث تحقق الاكتفاء الذاتي، وتفتح أسواق الدول الأخرى لتصدير الفائض منها، وبالتالي التقليل من فواتير الإنفاق الخارجي للحصول على هذه الأسلحة، خصوصاً أن المملكة تعد ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم بنسبة 11 % من إجمالي حصة واردات الأسلحة العالمية، خلال الفترة من 2017م – 2021م حسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وفي هذا الشأن يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-: «نحن ننفق عسكرياً أكثر من بريطانيا وفرنسا، فنحن كنا ثالث أكبر دولة في الإنفاق العسكري عام 2015م ولدينا طلب قوي على الصناعات العسكرية، لذلك إذا رفعنا نسبة إنتاجنا من 30 % إلى 50 % سوف نخلق قطاعاً صناعياً ضخماً، يدعم الاقتصاد ويخلق وظائف كثيرة»، وتهدف المملكة إلى توطين 50 % من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030م. وقد اهتمت المملكة بالصناعات العسكرية منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حينما أصدر أمراً بإنشاء المصانع الحربية عام 1949م، وتزايد الاهتمام بها في عهد أبنائه حتى عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد -حفظهما الله- فتمّ إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية عام 2017م، ثم الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وإطلاق معرض الدفاع العالمي بنسخته الأولى عام 2022م، وقبل أيام احتضنت الرياض النسخة الثانية منه بمشاركة 773 عارضاً و441 وفداً رسمياً يمثلون 116 دولة، وأكثر من 106 آلاف زائر، وفي ختامه تم توقيع 61 عقد شراء بقيمة 26 مليار ريال، وتوقيع 73 اتفاقية بينها 17 اتفاقية مشاركة صناعية. لقد استطاع المعرض التعريف بأهم الابتكارات والتقنيات في هذه الصناعة، وبناء علاقات تجارية مع العديد من الشركات العالمية، وفتح الباب لها للولوج في سوق صناعة الدفاع والأمن في المملكة؛ فالهدف الأساسي للمعرض هو تعزيز موقع المملكة بصفتها وجهة عالمية في الصناعات العسكرية من خلال التوطين والتصنيع الدفاعي محلياً، وتبادل الخبرات التصنيعية والاستفادة من أحدث التقنيات وتسليط الضوء على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيات العسكرية، كما تم استعراض مستقبل مجالات الدفاع ال5 في البر والبحر والجو والفضاء وأمن المعلومات وأحدث أنظمة التوافق العملياتية حول العالم، وأحدث الطرازات من الطائرات الحربية والمسيرة والأقمار الصناعية العسكرية. إن توطين الصناعات العسكرية له دور مهم في الاستقلال الدفاعي والتنمية الاقتصادية والتجارية، والنموذج الكوري الجنوبي غير بعيد عنا؛ حيث أدركت كوريا باكراً أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات الدفاعية بل والاتجاه نحو التصدير بدلاً من الاعتماد على أميركا في تسليحها، وبحسب وكالة يونهاب تجاوزت الصادرات الكورية 17 مليار دولار في عام 2022م، وتطمح للوصول إلى المرتبة الرابعة في تصدير السلاح في عام 2027م، وفي تركيا أيضاً كان لتصميم الحكومة على توطين قطاع الأسلحة الدور الرئيس في نمو الصناعات العسكرية لديها؛ فخلال عدة سنوات أصبحت تركيا واحدة من أربع دول تمتلك شركات عسكرية هي الأسرع نمواً في إنتاج الأسلحة حسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وأصبحت تركيا تنتج 80 % من حاجتها من الصناعات الدفاعية، محققة ثورة في مجال الصناعات الدفاعية. إن الصناعات العسكرية ليست فقط مجرد تجارة أسلحة، إنما هي عبارة عن مزيج من المجالات المختلفة كالتعليم، والقوى العاملة المدربة، وخلق وظائف جديدة، وبنية تحتية واسعة، وتطورات علمية وتكنولوجية، لذا أتمنى تطوير مراكز الأبحاث وربطها بالشركات والمؤسسات العسكرية المحلية والعالمية، وتبادل الخبرات مع الدول الصناعية التي تربطنا معها علاقات جيدة مثل كوريا الجنوبيةوتركيا، وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة بشكل فاعل في المشاركة بإنشاء البنية التحتية للتصنيع العسكري، والمساهمة في عملية إنتاج قطع الغيار للمعدات العسكرية، وأيضاً الابتكار في إنتاج صناعات عسكرية متطورة وحديثة من خلال تقديم أنواع الدعم كافة له، وأن يكون توطين 50 % من التقنيات شرطاً لكل صفقة سلاح يتم إبرامها. أخيراً، لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر والتقدير لقيادتنا الحكيمة -حفظها الله- على ما توليه لهذا الوطن كي يكون في طليعة الدول المتقدمة اقتصادياً وعسكرياً، وحرصها على تطوير القدرات التقنية وتصنيع الأنظمة الدفاعية وتوطينها وتحسين أدائها لتلبية المتطلبات الأمنية والعسكرية وتحقيق الاستقلالية والريادة للمملكة في المجال الدفاعي.