يتربع قطاع التأمين في المملكة على عرش القطاعات الاقتصادية القابلة للتطوير والنمو، وصولاً لتحقيق الازدهار الشامل، الذي وعدت به رؤية 2030، عندما استهدفت بناء اقتصاد وطني قوي، لا يعتمد على دخل النفط، وإنما على دخل حزمة قطاعات اقتصادية متنوعة، تعطي بقدر الاهتمام بها، وبقدر الجهود المبذول من أجل تطويرها. ويعكس الاهتمام الكبير الذي حظي به قطاع التأمين تحت مظلة رؤية 2030، طموحات القيادة وتطلعاتها من وراء الارتقاء بالقطاع، هذا الطموح يتبلور أكثر في الرغبة الجامحة بتعزيز مساهمة القطاع في الاقتصاد غير النفطي ليصل إلى 4.75 % بحلول 2030، وهي نسبة كبيرة، تحتاج إلى رؤية تعيد صياغة القطاع على أسس ومرتكزات مغايرة، عن التي نشأ عليها في العقود الماضية، بيد أن هذا الأمر لن يتحقق بسهولة، وإنما يحتاج إلى ثلاث خطوات متدرجة، لا بد منها في المرحلة المقبلة من مستقبل القطاع، أولها تفعيل عمليات الدمج والاستحواذ بين شركات القطاع، وثانيها طرح منتجاتٍ جديدة ومبتكرة يحتاج إليها المجتمع، وثالثها تركيز استثمارات الشركات وتعظيم عائداتها، بما يسرّع إعادة تشكيل هذا القطاع، هذه الشروط الثلاثة ليست خافية على هيئة التأمين، ولا أستبعد أن تنفذها على أرض الواقع قريباً. ولطالما كان تفعيل الاستحواذ ودمج شركات قطاع التأمين مطلباً قديماً، دعا إليه المتخصصون والمتابعون للقطاع، وحجتهم في ذلك أن بعض هذه الشركات ذات إمكانات محدودة ومتواضعة، لا تمكنها من تقديم منتجات تأمينية جديدة ومبتكرة، وظلت محصورة في منتجات تقليدية مكررة، تعكس جمود القطاع على آليات معينة، بعيداً عن الابتكار ومواكبة المستجدات، وهو ما يفسر سبب تكبد خسائر فادحة لبعض هذه الشركات في وقت سابق. ثمار الاهتمام بقطاع التأمين، وخاصة قرار تأسيس هيئة التأمين، لم تتأخر كثيراً، وإنما أعلنت عن نفسها في صورة تحقيق قفزات في أرباح شركات التأمين المدرجة في بورصة الرياض في الربع الثالث من العام الماضي بنحو 135 %، لتسجل 870 مليون ريال، وهو ما انعكس ارتفاعاً بمساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 2.2 % من 2.1 % في الربع الثالث من 2022، وليس هذا الإنجاز ببعيد من تطلعات الرؤية وأهدافها. الوتيرة السريعة للتقدم في قطاع التأمين السعودي، تؤكد حقيقة مهمة، هي أن إنجازات القطاع لن تقف عند هذا الحد، وإنما هي متواصلة ومستمرة ومستدامة، ولا يستبعد أن تتضاعف هذه الإنجازات في قادم الشهور، عندما تجني الهيئة الجديد، ثمار برامج التطوير والتحديث التي أعلنت عن تنفيذها على أرض الواقع، بيد أن هذا النمو، وإن كان مبشراً، إلاّ أنه لا يمنع من وجود تحديات كثيرة تعترض مسيرة القطاع والشركات العاملة فيه، هذه التحديات ليس أولها ضعف الوعي اللازم بشأن هذا القطاع، وليس آخرها مخاطر الاستثمار التي تواجهها الشركات، وهذه التحديات ستجد انفراجة قريباً جدا.