ليس غريباً أن يشبّ الشعر النبطي في موقع عريق أركانه راسخة في أعماق الأصالة، حيث إن أرض المملكة كنف رؤوم منذ فجر التاريخ للحضارات والثقافات، فما كان من سجيتها الثقافية سوى الترحيب بهذا النوع من الشعر وأن ترعاه ضمن فنونها وتراثها التي تضارع الحضارات الإنسانية، متيحة له النمو بفضل إبداعات الشعراء السعوديين، الذين خضبوه بالأناقة وهندموه بالجمال. وقد اعتمد الشعر النبطي على اللهجة المحكية؛ المنظومة على أوزان محددة، ليعالج ويناقش موضوعات وفنون شتى، كالغزل والفخر والحكمة والوصف، ناقلاً مشاعر وتصورات الإنسان السعودي، إلى جانب رؤيته الثاقبة ورهافة إحساسه وبلاغة قوله. وبعد أن سطّر عباقرة هذا الفن الشعري بدائع خالدة، ونثروا الروائع التي شنفت الأسماع وسحرت الألباب؛ جهر صوتٌ ينادي بتجديد الشعر النبطي في المملكة، وباعتقاد المطالبين أنها ضرورة حتمية؛ لمواكبة العصر والتماشي مع مستحدثاته غير المضرة بلب الفن، وراح العديد من الشعراء يصنعون أساليب عصرية تقولب الأفكار والرؤى. وأسفرت تلك المحاولات الحثيثة عن تخريج نخبة من الشعراء نجحوا في مسعاهم، إذ ابتكروا في التصوير واللفظ، وجددوا في أسلوب وأدوات القصيدة، منسلّين من المدرسة الكلاسيكية، ليستكملوا إدهاش محبي الشعر. وممن أشعل في ليل التجديد شمعة، الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن، وهو من زين المفردة وبهرج المعنى.. ومن أبياته: إن سَاءلوا عنّي الصبايا الرعابيب وعن القصيد ونبض عقد القوافي خبّرهم إنه بان فيني عذاريب ربيع قلبي غيّرته السوافي وكذلك يعد الشاعر الحميدي الثقفي من الرموز المجددين، وله نفائس لا يمل من قراءتها تجمع روح الحداثة والأصالة في آن واحد، ومما خطّ: مدري عن التوبة يجي علم تالي خلوني ابعد حالي اللي معنيه انا خوي اللي ثنته الليالي واللي بعد عيت لياليه تثنيه إضافة إلى الشاعر الشهير مساعد الرشيدي، الذي وضع بصمته الجلية في ساحة التجديد، ومن قصائده التي سارت بجماليتها الركبان إذ كتبها وهو في الخارج أثناء دراسته، فيما يعتلجه الحنين إلى موطنه، وجاء في مطلعها: حزين من الشتا والا حزين من الضما يا طير دخيل الريشتين اللي تضفك حل عن عيني كما عُرف الشاعر فهد عافت بعذوبة أبياته المتجددة المتدفقة من قلمه، حيث أثرى ميدان الأدب بموسيقى أشعاره ومنها هذه القصيدة: نصف وجهي هجير ونص ظِل وأنت غالي، وطبع الحب كافر بعْض منّي يخاف انّك تظلّ وبعْض منّي يخاف انّك تسافِر ولذلك يعد الشعر النبطي مرآة تعكس التراث السعودي وفنونه الأدبية الجياشة بالأحاسيس، علاوة على أنه يحمل تاريخاً حافلاً بالإرث والتجارب الإنسانية، مما يجعل وزارة الثقافة متحفزة لإطلاق المبادرات والمهرجانات مثل مبادرة «عام الشعر العربي 2023». الحميدي الثقفي مساعد الرشيدي فهد عافت