كان طلوع الشمس في النهار وسطوع القمر في الليل، ولا يزالان، بارزين بازغين مشعين إذا لاحا مرتفعَين في سماء أرض الجزيرة العربية، وحتمًا كان هذا الظهور الوقَّاد لهذين الكوكبين، مصدر إلهامٍ للشاعر العربي في قديم الزمان، عندما يحس بلهيب الشمس إذا علت في كبد السماء، وعندما تأتيه أنوار البدر إذا سار في الوديان وقطع المفازات. وقد عرف العرب شدة حر الشمس، وشدة بطش رمضاء النهار التي لا يجاوزها لهيبًا واشتعالًا سوى النار، وهنا شاعرٌ يذكر التظاءَ الشمس، واستعارَ شواظها: ظلَّت على شُزُنٍ في دامهٍ دَمِهٍ كأنه من أُوارِ الشمس مرعونُ ومن الشعر نعرف ثقافة العرب، وقدرًا عظيمًا من أفكارهم، وخيالاتهم، وأساطيرهم، فهو سِفرها الأصيل وديوانها القديم الذي ذكرت فيه أيامها، وحكت به عن أمجادها، ونطقت به عن مكنون صدورها، وعما وقع ودار في خَلَدها ورُوعها. وهذه الخنساء بنت عمرو السُّلَمية تتذكر أخاها الصريع صخرًا، ويُخيَّل إليها أنه القمر الذي يجلو الظلام بنوره فيفيض الشعر من لسانها وفِيها: كُنّا كَأَنجُمِ لَيلٍ وَسطَها قَمَرُ يَجلو الدُجى فَهَوى مِن بَينِنا القَمَرُ يا صَخرُ ما كُنتُ في قَومٍ أُسَرُّ بِهِم إِلّا وَإِنَّكَ بَينَ القَومِ مُشتَهِرُ وكانت العرب تحب القمر، وتسميه بدرًا إذا اكتمل، فهو سراج الليل ورفيق الترحال والسفر في ليل الجزيرة المُظلم المُدلهم، ولحبهم له وصفوا من هوته أفئدتهم به، ولم يغب عن بال الشاعر العربي بعد رؤيته سنا الشمس والقمر أن يضربهما مثلًا في وصف بديع الحُسن والجمال، ويقول الشاعر عنترة: أشارت إليها الشمس عند غروبها تقول إذا اسودَّ الدجى فاطلعي بعدي وقال لها البدر المنير ألا اسفري فإنك مثلي في الكمال وفي السعدِ ويُحكى أن امرأةً من ثقيف مرَّت بأحد الشعراء، وسرَّه منها ما رأى فاختار الشمسَ وصفًا لها: طافَت بِنا شَمس النهار وَمَن رَأى مِنَ الناسِ شَمسًا بِالعِشاءِ تَطوفُ وربما ظن بعض العرب، في الجاهلية خاصة، أن خسوف الشمس والقمر لا يكون إلا لأمر جسيم، أو موت أحدٍ من الناس عظيم، يُحكى عن أوس بن حجر التميمي بعد وفاة صاحبه وصديقه فُضالة الأسدي أنه ابتدأ قصيدته حزينًا ضائق الصدر: ألم تُكسَف الشمسُ والبدرُ والكواكب للجَبَلِ الواجبِ لفقد فَضالة لا تستوي ال الفقود ولا خَلَّةُ الذاهبِ ومن ينظر في شعر العرب يرى كثرة نعتهم الشمس والقمر بصفات الحديث والتكلم والاستماع، وكثرة قرنهم ذكر القمر بالنور والإنارة، تقول هند الأنصارية: ترفّع أيّها القمرُ المنيرُ تبصّر هَل تَرى حجرًا يسيرُ يَسيرُ إِلى مُعاويةَ بن حربٍ لِيَقتلهُ كَما زعمَ الأميرُ وهذا قيس بن المُلوِّح يذكر القمر في بعض قصائده وكأن له أذنًا تسمع وعينًا ترى وتبصر وبالًا يهتم لأمر البشر: قَمَرٌ نَمَّ عَلَيهِ نورُهُ - كَيفَ يُخفي اللَيلُ بدرًا طَلَعا رَصَدَ الخَلوَةَ حَتّى أَمكَنَت وَرَعى الساهِرَ حَتّى هَجَعا ولا بد أن يستبين للمستمع إلى شِعر العرب أن حضور الشمس والقمر في قصيدهم وحديثهم مساوٍ لظهورهما في سماء بلاد العرب التي نظموا تحت غمامها أعذب شعرٍ استمعت إليه الأرض، وصدى يتردد في السمع والجنان، وضربًا باهرًا من البيان. أسامة أحمد السويكت