يرى المحللان على واين وديفيد جوردون، أنه من المرجح أن يسهم الاجتماع الذي عُقد بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج في سان فرانسيسكو، والذي جاء تتويجا لعدة أشهر من الدبلوماسية بين مسؤولين أميركيين وصينيين على مستوى عال، في استقرار العلاقات بين واشنطنوبكين على الأقل على المدي القصير. وقال واين، هو كبير المحللين في مجموعة أوراسيا للاستشارات، وجوردون، و هو أحد كبار المستشارين في مجموعة أوراسيا والمدير السابق لادارة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، إن الرئيسين الأميركي والصيني اتفقا على إقامة عدة قنوات لتعزيز التعاون بين الجيشين، والتعاون لوقف تدفق المركبات الأولية لتصنيع مادة الفنتانيل المخدرة من الصين، وتوسيع نطاق رحلات الطيران المباشرة في الاتجاهين، وأشكال أخرى للتبادل بين الشعبين. ولكن المحللين قالا، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية، إنه لا يمكن توقع أن تغير مثل هذه النتائج الطابع التنافسي بشكل أساسي للعلاقات الأميركية الصينية. وفي الواقع، تلك المنافسة مرشحة للزيادة على الصعيد الجغرافي والمهام. ولا تزال الدبلوماسية الأميركية الصينية هشة، ففي شهر فبراير الماضي، ألغى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زيارة إلى الصين، وسط اكتشاف إدارة بايدن منطاد تجسس صيني مشتبه به قرب قاعدة عسكرية في مونتانا. والخبر السار هو أن بايدن وشي، لديهما حوافز قوية قصيرة المدى لوقف التدهور في العلاقات الأميركية الصينية. وأضاف المحللان أنه ليس بمقدور بايدن، الذي يتصارع مع حرب مروعة بين روسياوأوكرانيا وأزمة آخذة في التصعيد بين إسرائيل وحماس، أن يتعامل مع أزمة ثالثة. من جهة أخرى، يواجه شي مشكلات اقتصادية متصاعدة في الداخل وعلاقات عدائية على نحو متزايد، مع الديمقراطيات الصناعية المتقدمة في العالم. غير أن هناك اختبارا كبيرا للعلاقات يقترب بسرعة، حيث سوف تنتخب تايوان رئيسا جديدا في الثالث عشر من يناير المقبل، ويعد ويليام لاي تشينج – تي من الحزب التقدمي الديمقراطي الأوفر حظا للفوز. وقد يتخذ لاي، الذي يصف نفسه بأنه "عامل استقلال تايوان"، خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تآكل الوضع الراهن عبر المضيق، ومن المحتمل أن يكون ذلك بدعم كبير من جانب الكونجرس الأميركي. عاجزون ومنقسمون ومعزولون ومن جانبها، تواصل بكين تكثيف ضغطها على تايبيه. وأطلق جيش التحرير الشعبي الصيني صواريخا باليستية فوق تايوان خلال زيارة للجزيرة في شهر أغسطس عام 2022 قامت بها آنذاك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وكانت المرة الأولى التي فعلت فيها ذلك منذ اندلاع أزمة مضيق تايوان عام 1995-1996. ومع ذلك، هناك ثلاثة أسباب على الأقل للاعتقاد بأن بكين لا تفكر بشكل جدي في شن غزو الآن. أولا: لأن الصين أمامها مجال متسع لبذل جهد الخنق الصبور ومتعدد الأوجه، "أي حملة المنطقة الرمادية العدوانية على نحو متزايد من الإكراه السياسي والنفسي والاقتصادي والدبلوماسي، والتي تهدف إلى جعل مواطني تايوان يشعرون بأنهم عاجزون ومنقسمون ومعزولون". وإذا تم استبعاد عامل غير متوقع بشكل كبير، على سبيل المثال قرار من رئيس تايوان المقبل بإعلان استقلال الجزيرة أو تخل رسمي من جانب الولاياتالمتحدة عن "الغموض الاستراتيجي"، فإنه من غير المرجح أن تختار الصين الدخول في مناورة عالية الخطورة ليس لدى الجيش الشعبي الصيني استعداد لها بشكل واضح. والسبب الثاني هو أنه يمكن القول إن أي محاولة غزو فاشلة مع ما تنطوي عليه من تكاليف عسكرية واقتصادية ودبلوماسية باهظة، سوف تسهم أكثر من أي تطور آخر في تعريض مسعى شي من أجل "التجديد العظيم للأمة الصينية" للخطر. والسبب الثالث هو أنه بينما يقدر شي، أن النظرة الاستراتيجية للصين تتعرض لتحديات أكثر مما كانت في بداية العقد، فإن هناك دليلا ضئيلا، إن كان هناك أي دليل على الإطلاق، يشير إلى أن تقييمه طويل المدى لدوره في الشؤون الدولية يتضاءل. ويعد غزو أوكرانيا من جانب روسيا بمثابة تحذير للصين، وتهدد هجرة الأدمغة وتشديد العقوبات الغربية توقعات النمو على المديين المتوسط والطويل لروسيا، بحدوث خسائر مادية ضخمة، كما يؤدي انخفاض القدرة على الحصول على أشباه الموصلات إلى تقويض قاعدتها للتصنيع الدفاعي. وتساءل المحللان عن ماهية الدروس التي قد يتعلمها شيء من الصعوبات التي تواجهها روسيا في أوكرانيا؟ ويتبادر للذهن ثلاثة دروس على الأقل، أولها، أنه حتى إذا كانت دولة معتدية تملك تفوقا كبيرا من الناحية العسكرية التقليدية، فإنها يمكن أن تتعثر إذا قللت قيادتها من تقدير إرادة خصمها على القتال. وبينما أعطى شي تعليمات للجيش الشعبي الصيني بأن نكون لديه القدرة على غزو تايوان بحلول عام 2027، يشير الاضطراب بين صفوف قيادته العليا إلى أنه ربما يفتقر للثقة في استعداد الجيش وبصفة خاصة مع الوضع في الاعتبار بأن التحدي العملياتي الذي تواجهه الصين، عند القيام بعملية إنزال برمائية، سوف يكون أكثر تعقيدا بشكل كبير من شن غزو بري لدولة مجاورة بريا. والسبب الثاني، الذي يرجع إلى حد كبير للأول، هو أن الأمل في خوض حرب قصيرة ضد تايوان، يعد بشكل كبير ضربا من الوهم. ومن المرجح أن يكون عدد قليل من المراقبين قد تخيلوا في 24 فبراير عام 2022 أن أوكرانيا سوف تظل صامدة أمام روسيا لقرابة عامين قادمين. وبالنسبة لتايوان، فإنها تتبنى دفاعات حصينة لردع أي عدوان من جانب الصين، وسوف تكون أرضها الجبلية بمثابة تحديات عملياتية للجيش الشعبي الصيني. ثالثا، هو أن اندماج الصين الشامل في الاقتصاد العالمي يجعلها أكثر تأثرا بالعقوبات الاقتصادية من روسيا، بصفة خاصة أن اعتمادها الكبير على رقائق المعالجة الصغيرة الغربية سوف يحد من قدرتها على إضعاف جهد منسق للتفكيك من جانب الديمقراطيات الصناعية المتقدمة. واختتم المحللان تقريرهما بالقول، إنه من المفارقة إذن، أنه حتى في الوقت الذي تعمل فيه الولاياتالمتحدة للعدول عن غزو صيني لتايوان، فإنه يتعين عليها أن تؤكد تفاؤل الصين بشأن المستقبل: فكلما شعرت الصين على نحو أقل بالحاجة الملحة لتحقيق إعادة التوحيد، أصبح أمام واشنطن المزيد من الوقت لصياغة مزيج من الردع والطمأنة، الذي من شأنه أن يقلل احتمالات حدوث مواجهة كارثية.