كتب نجيب محفوظ روايةً من أشهر رواياته في مقهى (الحرافيش)، ومَهَرَ عنوانها باسم المكان، وسطَّر العقادُ كثيراً من مقالاته، ومقولاته في مقهى (الفيشاوي)، وفي بغداد كان مقهى (الزهاوي) منبرًا ثقافيًا وأدبيًا شهيرًا يصلُ صداهُ إلى مختلف الدول العربية، وفي دمشق تحوّل مقهى (الرشيد) إلى مسرحٍ خطابيّ وسياسيّ، يعبّر عن الحراك السياسيّ، والاجتماعيّ، بشكلٍ مؤثر، وفي المغرب كان مقهى (طلة الرباط) ملتقى للأدباءِ والكتاب، وفي السودان كان مقهى (المحطة الوسطى) ساحةً لإبداع الجامعيين والهواة، وهكذا في بقية البلدان العربية والعالمية، تكوّنت تلك العلاقة الوطيدة بين الأدب والمقهى، وبين البُنِّ، والحِبْر، فتجلّت الأفكار في ساعاتِ الصفاء، وباحتْ الأرواحُ بحديثها العميق، وتشكّلت تلك الخواطرُ والخطرات، فانبجستْ أدباً وفكرًا، وثقافةً، ورؤىً فلسفيةً، حفظتها صفحاتُ الكتب، ورفوف المكتبات، واليوم إذْ نعيشُ في وطننا الغالي واقعًا جديدًا متحضّراً -ولله الحمد- بات فيه المقهى جزءاً من حياتنا اليوميّة، وتغيرت فيه الصورةُ النمطية السائدة اجتماعيًا عن المقهى، وأصبحت تتسابق المقاهي في صناعةِ الأمكنة ذات الطابع الهادىء الرّائق، والديكورات الأنيقة، واللمسات التراثية، والفنيّة، التي تجعل منها أمكنةً للراحة والاسترخاء، وصفاء المزاج، وقد فعلت «هيئةُ الأدبِ والنشر والترجمة» خيرًا حين أطلقت مبادرة (الشريك الأدبيّ) فهيّأتْ منصةً الكترونيةً تسعى من خلالها إلى عقد شراكاتٍ أدبيةٍ مع المقاهي، في مختلف مناطق وطننا الغالي؛ بهدف ترويج الأعمال الأدبية والقراءات النقدية، مما يسهم في رفع الوعي الثقافيّ، والاقتراب بشكلٍ مباشر من حياة الناس، ولحظاتهم اليوميّة، ووضعت أهدافًا لهذا المشروع التحفيزيّ الفريد، وعرّفت به، ورصدت جوائزَ للمقاهي المميزة في هذه المبادرة، وقد كانت النتائج باهرةً بالفعل، نتابعها ونقرأ تفاصيل لياليها الباهية باستمرار، فتفاعل الأدباء والشعراء والنقاد، وفتحت المقاهي في مختلف أرجاء الوطن أبوابها للجميع، وأحدثتْ هذه المبادرة حراكاً أدبيًا جميلًا إذْ اقترب الأدباء والمثقفون، والكتاب من الناس، فشاركوهم نكهة القهوة، الممزوجة بمتعة الفكر والأدب، وتظلّ هذه المبادرة قيد التطوّرِ، والنماء، والعطاء، مع الرجاء بإضفاء المزيد من الأفكار الخلّاقة، منها مثالًا لا حصرًا: طرح بعض القضايا الأدبية أو الموضوعات المحدّدة، بين الحين والآخر، وتعميمها بتحديد أوقاتٍ وليالٍ في برنامج مُعْلنٍ للجميع، فيكون ذلك بمثابة التظاهرة الأدبية العامة؛ فتكسب القضية الأدبية أبعادًا عميقةَ الأثرِ والتشويق، والترقُّب، ومن ذلك أيضًا منحُ المُنفِّذين لهذه الأمسيات تميزًا وتقديرًا من ذات المنصة، بشهادات أو منحٍ تطوعيّةٍ ومعنوية إلى غير ذلك من المقترحات والرؤى التي لن تُعدم بإذن الله من كلّ مخلص، ودام عزّ الوطن ورخاؤُه.