ساهمت المقاهي العامة منذ عقود في تعزيز الحركة الفكرية في العالم العربي، حيث كانت من أهم الأماكن التي يلتقي فيها المثقفون والأدباء، وخرجت منها أفكار وإبداعات كثيرة، مثلت تحولات مهمة في الثقافة العربية. الفيشاوي من أقدم المقاهي الشعبية في القاهرة، ويعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من مئتي عام، أسسه الحاج فهمي الفيشاوي في عام 1760، كان معقلا للأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين، ومن أشهر رواده جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ونجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، وكامل الشناوي ومحمد ديب وعباس محمود العقاد. زاره أبو الفلسفة الوجودية الفرنسي جان بول سارتر وسيمون دي بوافور. أدى المقهى دورا كبيرا في الحركة الأدبية والثقافية في مصر، وكتب محفوظ معظم أعماله فيه، وكذلك عبدالقدوس ويوسف إدريس. وكان المقهى أيضا مجمعا لعلماء الأزهر، الذين كانوا يجلسون عقب صلاة الجمعة أسبوعيا في قاعة خاصة بهم اسمها (البيسفور)، ويتناقشون في أمور الدين. الحرافيش لم يتوقف نصيب المقهى من نجيب محفوظ على اقتباس اسم أحد أشهر رواياته، التي يعدها النقاد بمثابة ملحمة تجسد روح الحارة الشعبية، بل وضع على مدخله تمثالا لمحفوظ، ويتميز مقهى الحرافيش الواقع في بداية شارع الملك فيصل في الجيزة، بواجهته الخارجية المميزة بالأشجار التي تحيطها.. ويحرص كل مساء على تقديم برنامج ثقافي متنوع، يجمع بين العزف والغناء لنماذج من التراث الغنائي المصري والعربي. وكان فيه ركن للكاتب الساخر محمود السعدني وركن للشاعر بيرم التونسي ومكتبة بأهم كتبه وركن خاص لصور كبار الفنانين برؤية خاصة خطتها ريشة فنان الكاريكاتير السوري حسن أدلبي. متاتيا لهذا المقهى تاريخ طويل في الحياة الاجتماعية والثقافية في مصر، فقد جلس على مقاعده شخصيات ذات أسماء رنانة، أبرزهم جمال الدين الأفغاني الذي ألقى أول خطاب سياسي له من هذا المقهى، كما أسس من خلاله أول حزب سياسي في التاريخ الحديث. وكان المقهى هو الأكبر في القاهرة من حيث المساحة، والأهم من حيث الموقع الجغرافي حيث كان يطل على ترام العتبة الشهير الذي أنشأه الخديوي. كان يرتاده جمال الدين الأفغاني، ومن حوله يتحلق المريدون، بالإضافة إلى أحمد عرابي وسعد زغلول وعبدالله النديم ومحمد عبده ويعقوب صنوع ومحمود سامي البارودي، وقد تعاقبت أجيال المثقفين على هذا المقهى، مثل أحمد شوقي والعقاد وحافظ إبراهيم. ريش من أهم مقاهي المثقفين والأدباء في مصر في منطقة التحرير، ويقع في شارع طلعت حرب في وسط القاهرة، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1908، واشتهر قديما بتوافد كبار الكتاب والصحفيين والفنانين إليه بصفة يومية، لتناول فنجان القهوة.حيث كانت تعقد جلسات نجيب محفوظ الأدبية، حيث كان يقيم ندوة أسبوعية في مقهى ريش بدأت منذ عام 1962، وظلت منتظمة حتى عام 1977، ثم انتقل بعد ذلك لمقهى «عرابي» القريب منه. إلى جانب ندوات محفوظ كانت هناك ندوات العقاد في زمان آخر، وتوفيق الحكيم في زمان ثالث، ويجري تبادل الحديث في السياسة والاقتصاد وقضايا المجتمع المصري على مناضده، لذلك تزين جدران "ريش" بصور هؤلاء المشاهير. ومن أشهر رواده أحمد فؤاد نجم، وجمال الغيطاني، والألماني فولكهارد فيندفور مراسل (ديرشبيجل). زهرة البستان ظل المقهى القريب من ميدان طلعت حرب في وسط البلد مفتوحا على مدى 80 عاما على مصراعيه أمام الشعراء والأدباء، وبه كان يعقد نجيب محفوظ ندوته كل ثلاثاء، وكتب فيه علاء الأسواني "شيكاجو"، و"عمارة يعقوبيان"، كما كتب فيه مكاوي سعيد معظم رواياته وقصصه. فضلا عن الشعراء أمل دنقل وأحمد عبدالمعطي حجازي. دار الكتب كان من زبائنه الشاعر المعروف أحمد رامي ومن قبله الشاعر حافظ إبراهيم، وعبدالعزيز البشري، وحفني ناصف وغيرهم من موظفي الدار، الذين كانوا يقصدونه في أثناء الاستراحات، هذا بالإضافة إلى فئة من الصحافيين الذين كان لهم ركن خاص سُمّي بركن الصحافيين وعميدهم المشهور «الشيخ الشربتلي» الذي كان من أعلام الصحافة القديمة. الزهاوي يعود تأريخ تأسيس المقهى الواقع في بداية شارع الرشيد ببغداد من جهة الباب المعظم بين الميدان والحيدر خانة إلى ما قبل 1917 بسنوات عديدة قبل فتح شارع الرشيد. أيام الوالي (ناظم باشا). ويعد من أشهر المقاهي البغدادية، فضلا عن مقهى (حسن عجمي) و(البرلمان) و(عارف أغا) و(البلدية) و(الشابندر). كان الزهاوي يدبّج فيها ردوده الشهيرة على عباس محمود العقاد، تلك الردود التي نشرتها صحف بغدادوالقاهرة في الثلاثينات.. وفيها أيضا استقبل الزهاوي شاعر الهند (طاغور) عام 1932.وكان للزهاوي عاداته المعروفة في المقهى، فإذا أبدى أحد الجالسين إعجابه بشعره، صاح الزهاوي على صاحب المقهى:" أمين لا تأخذ فلوس الجاي". اللونا بارك سمي هذا المقهى فيما بعد ب«الرشيد» وظل حتى الخمسينات، وكان مسرحا صيفيا يقدم أيضا الأفلام السينمائية، وكثيرا ما تحول مسرحه إلى منبر للحفلات الخطابية السياسية والانتخابية. ومن ضمن المقاهي في سورية كان مقهى «الفاروق» و«الزهور» و«الأزبكية» وعلى الرصيف المقابل ينعكس المشهد ذاته في مقهى «الهافانا». عبد الحي لعب المركاز أهمية اجتماعية وثقافية في الأوقات المبكرة من حياة المجتمع الحجازي (في مكةوجدة) ومع التغيرات السريعة غاب المركاز، وظل محصورا في أماكن معينة ومحدودة، ومع وجود المركاز لم يكن المقهى غالبا، بل كان يوجد بسمعة سيئة (عند البعض). ومن المقاهي الشهيرة تاريخيا "قهوة عبد الحي" بالمسفلة في مكة، وكان المثقفون من مكةوجدة يتوافدن إليه خلال الخمسينات والستينات الميلادية.