التحديات التي تعيق تطور العمارة السعودية ليست مرتبطة بشكل مباشر بإكسبو كحدث مهم يجعلنا في منافسة مع ما سيقدمه العالم من عمارة لكن دون شك هي تحديات تستدعي التفكير الجاد في الأسباب التي تجعلنا لا نواجه هذه التحديات ونتجاوزها.. يستدعي فوز الرياض بتنظيم إكسبو 2030 الكثير من القضايا التي تتقاطع مع العمارة والتطوير الحضري، خصوصًا تلك التي تمس شخصية العمارة السعودية، فحدث بهذا الحجم ارتبط منذ نشأته عام 1851م بتطور العمارة وأساليبها وتقنياتها، يفترض أن يحث على تغيير ثقافة ممارسة العمارة في المملكة من جذورها. الحدث يقول إننا مقبلون على مرحلة مختلفة من التفكير العمراني، فرغم أن إكسبو هو استعراض لعمارة وثقافات وتقنيات العالم أجمع، إلا أن شخصية البلد المضيف يجب أن تكون الأبرز، خصوصاً إذا ما كان هذا البلد بحجم وتأثير المملكة العربية السعودية. هناك من ينظر لهذا الحدث نظرة اقتصادية وربما تقنية، لكنه تاريخياً مثّل على الدوام حدثاً معمارياً ثقافياً، وهذا يعني أن الرياض تستعد كي تحتضن معرض عمارة العالم وما ستقدمه هذه العمارة من تقنيات غير مسبوقة ستتطور خلال السبع سنوات المقبلة. ربما هذا يحثنا على التفكير في مدينة "ذا لاين" و"نيوم" كعناوين كبير لإكسبو الرياض، كونها عناوين تمثل رسائل معمارية وعمرانية سعودية للعالم. سألتني إحدى الطالبات، في اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن فوز الرياض بإكسبو، عن التحديات التي ستواجه تطور العمارة السعودية في المستقبل، وكأن هذا السؤال موجه إلى التفكير في ماذا يجب علينا أن نعمل كي نتجاوز التحديات التي تعيق تطور عمارة سعودية لها خصوصيتها وحضورها العالمي. ركزت إجابتي على أربعة تحديات أرى أنها تشكل حواراً مع عمارة إكسبو المستقبلية، فالتحدي الأكبر هو غياب التجريب، أو غياب وجود مختبرات سواء شخصية وعلى المستوى المكاتب المعمارية تعمل على توليد الأشكال والتقنيات وتختبر الأفكار الحضرية الجديدة. المختبرات المعمارية والعمرانية ليست مختبرات بالمعنى التقليدي، بل هي ورش تجريبية لتوليد الأشكال وتطوير التقنيات وإعادة التفكير في إنتاج الفضاءات العامة. هذا الغياب يجعل من العمارة السعودية في حالة ارتباط دائم باستيراد الأفكار والتقنيات من الخارج، ولا يساهم في تطوير المعرفة المحلية بأي شكل من الأشكال، بينما في الواقع "إكسبو" هو مختبر عالمي للأفكار والتقنيات، وأجنحة كثير من الدول هي منصات لتقديم الأفكار التجريبية التي تقوم بها بعض الدول من أجل تسويقها لباقي العالم. لعل هذا التحدي مرتبط بثقافة التعليم المعماري في المملكة، وهي ثقافة تقليدية اجترارية تابعة للخارج، فلم يحاول هذا التعليم على مدى أكثر من نصف قرن أن يكون تعليماً مستقلاً، وأن يركز على الثقافة التجريبية التي تركز على اكتشاف القوة المحلية الكامنة في المعماريين السعوديين وفي المعرفية المحلية التي يمكن أن تكون قوة تقنية متجددة، تقليدية التعليم المعماري تعني استعادة جميع الأخطاء التاريخية وضخها في الأجيال المعمارية المقبلة. يفترض أن يوجّه إكسبو سؤالاً مباشراً لمدارس العمارة في المملكة حول ماهية استعدادهم لهذا الحدث، وماذا يمكن أن يقدموا من أفكار وتقنيات يحاورون بها العالم الذي سيتجمّع في عاصمتهم. ولعل السؤال المباشر حول هذا التحدي هو: كيف يمكن أن يغير إكسبو ثقافة التعليم المعماري في المملكة؟ ومع ذلك يمكن أن نربط تحدي التعليم بتحدي غياب المؤسسات المهنية المعمارية المستقلة. ولعل البعض سيشير إلى هيئة المهندسين أو الجمعية السعودية لعلوم العمران أو حتى جمعية العمران التي تأسست مؤخراً، لكن من وجهة نظري هذه المؤسسات غير مستقلة ولا تملك القدرة على خلق ثقافة مهنية شفافة وإبداعية. نحن بحاجة إلى ما يشبه "المعهد الملكي السعودي للمعماريين" على غرار "المعهد الملكي البريطاني للمعماريين" RIBAK، ولا أقصد معهداً بمعنى المعهد بل مؤسسة مهنية غير حكومية لها استقلالها ويفترض أنها الجهة المخولة بإجازة المعماريين ومنح الاعتراف ببرامج التعليم المعماري. لا أريد أن أطالب بالكثير لكن في واقع الأمر التحديات مترابطة وبعضها يقود إلى الآخر، وبالتالي لا نستطع فصلها عن بعض. التحدي الأخير هو غياب النقد المعماري الحر، وهو غياب له تبعاته المهنية والفكرية، وربما يعتبر هو السبب المباشر في عدم تطور مدرسة معمارية سعودية مستقلة، لأنه إذا ما غاب الفكر النقدي فقدت العمارة بوصلتها، وبالضرورة فإن غياب النقد ناتج عن ثقافة التعليم وعن غياب المؤسسات المهنية المستقلة، وبالتالي يجب ألا نتوقع تطور عمارة سعودية ذات شخصية مستقلة طالما أن هذه التحديات لا تزال قائمة. التحديات التي تعيق تطور العمارة السعودية ليست مرتبطة بشكل مباشر بإكسبو كحدث مهم يجعلنا في منافسة مع ما سيقدمه العالم من عمارة لكن دون شك هي تحديات تستدعي التفكير الجاد في الأسباب التي تجعلنا لا نواجه هذه التحديات ونتجاوزها. خلال الثلاثة عقود الأخيرة مرت المملكة بتطورات عمرانية كبيرة جدًا وكانت فعلاً مختبرًا مهمًا لجميع الأفكار المعمارية في العالم، لكن لم ينتج عن هذا المختبر عمارة سعودية مستقلة لها خصوصية يمكن أن نعرّفها بوضوح على أنها عمارة خاصة بنا، ولم يولد من هذا المخاض المعماري جيل من المعماريين ينافسون المعماريين في العالم، ولم تتطور ظاهرة نقدية معمارية تراكمية يمكن التعويل عليها. أتمنى ألا نخسر الفرصة في العقد المقبل كما خسرناها في العقود السابقة.