قبل سنوات تحدّث الدكتور محمد الجوهري عن وجود فئة من أصحاب التخصصات تعاني من حساسية شديدة تجاه التراث الشعبي أو أقسام محدّدة منه، وذكر منهم، على سبيل المثال، أهل اللغة الذين ينظرون إلى الاهتمام بالعاميات واللهجات على أنّه تهديدٌ للغة الفصحى، وأهل العلم الحديث الذين ينظرون بفوقية للتراث، ولا يرون فائدة من العناية بالثقافة المادية الشعبية وبالأدوات التراثية القديمة لأنها، بحسب وصفهم، أشياء «تافهة خارجة عن سياق الحضارة»، كما أشار لأهل العلم الشرعي الذين يتوجسون من تدوين المعتقدات الشعبية ودراستها لأن بعضها قد يُخالف العقيدة الصحيحة. ومع اتفاقي مع هذا الكلام فإن المعتقدات هي أقل أقسام تراثنا الشعبي حظاً من عناية المدونين والباحثين نتيجة للنظرة التي أشار إليها الجوهري من جهة، ونتيجة لغياب الوعي بأهمية أصناف عديدة من التراث من بينها المعتقدات. لو تأملنا في عدد من المعتقدات المتصلة بالحيوانات والطيور في مدونات شعبية متنوعة الاتجاهات سنجد أنها ليست على مستوى واحد من حيث تأثيرها وإيمان الناس بها ولا من حيث مساسها بالمعتقدات الدينية. فمن المعتقدات الشعبية ما هو في غاية البساطة كما في الاعتقاد الذي أشار إليه الأستاذ محمد بن حسين الرمضان في كتاب (أمثال وأقوال من عامية الأحساء) عند حديثه عن المثل الشعبي: (تكاكي عندنا وتبيض عند الجيران)، فقد ذكر أن العامة عندما لاحظوا أن الدجاجة تقوقئ أي تكرّر الصياح أثناء وبعد التبييض، وأن شريك حياتها الديك يتجاوب معها بالصياح، فسّروا دلالة الصوت الصادر عنها بأنها تُردد: «بضت بيضة كُبر الدار»، وأن الديك يُجيبها مُتعجباً: «يا ستّار»! هذا الاعتقاد الطريف يشابه معتقدات أخرى تتصل بالحيوانات منها ما ذكره الأستاذ مفرج السيد تعليقاً على قصة الجني الذي كافأ رجلاً أنقذه من ذئب بمنحه كيساً من الذهب، فإضافة إلى اعتقادهم بوجود خصائص علاجية في استعمال أجزاء معينة من الذئب كعينه وشحمه اعتقدوا بأن الذئب يتناول في كل أسبوع من الشهر صنفاً محدداً من الغذاء: «فأسبوع يأكل الحلال (الغنم)، وأسبوع يأكل الإنسان، وأسبوع يأكل الجن، وأسبوع يأكل الهواء»! وبغض النظر عن سبب وكيفية تناول الذئب للهواء فإن الباحث سيلاحظ كثرة المعتقدات الشعبية البسيطة من هذا النوع، وبعضها يُقابله المجتمع نفسه بالسخرية أو النقد كما في الاعتقاد الذي أشار إليه الشيخ محمد بن ناصر العبودي في أكثر من موضع عن فائدة أكل لحم الجربوع للفم، إذ يذكر أن بعض العامة لحبهم لأكله بالغوا بالقول إن «أكل الجربوع يطهّر الاثم أربعين يوم»، فجاءهم الرد: «عساه يطهر نفسه». وقد كتب الشيخ في تعليقه على الاعتقاد المتصل بالجربوع: «بعض العلماء يلحقونه بالفار النجس. والواقع أنه من فصيلة الفأر فيحرمون أكله ومنهم أبو حنيفة». والعبودي من أبرز مدوني تراثنا الذين اعتنوا عناية كبيرة بالمعتقدات الشعبية مع حرصه الدائم على التنبيه لما خالف أحكام الشريعة الإسلامية منها، وللحديث عن هذه المسألة بقية إن شاء الله.