للشر حديث يطول مع الكاتب محمد الشيباني في كتابه «الشر يتحدث»، ولكن الحديث يكمن في الذي يدفع المجرمين إلى ممارسة الشر تجاه الآخرين: الشعور، السلوك، العادة. لشد ما تكون الحالة الشعورية للمجرم هي ركيزة تاريخه الإجرامي التي لا ينفك عنها المحلل. سعى الكاتب لأن يكون محللًا للسلوك الإجرامي، بعد ما قام بدراسة 209 قضايا جنائية وتحليل 134 جريمة، ليقدم لنا عصارة ما توصل إليه حول الجريمة والشر. يبدأ تحليل السلوك للمجرم في البحث عن ماضيه، ما الأمر الذي جعله يندفع نحو الإجرام؟ يؤكد لنا الكاتب في عدة قصص، كيف استطاع أن يحلل دوافع المجرمين من خلال العبور نحو ماضيهم، وتكون مجمل الأسباب أقرب إلى سبب انتقامي، «أنا ضحية أنا مجرم أنت السبب» هكذا وصفهم الكاتب رغم أنه لا يبرر لجرائمهم، بل يشرح لنا حقيقة تكوينهم. يحدد المجرم سلاحه بما يتلاءم مع الشعور الذي يشعر به، فليس هنالك في عالم المجرم ما يتم اختياره عبثًا، يتضح لنا ذلك عندما أدرج الكاتب في الكتاب دليلًا شاملًا لسلاح المجرم. مصنفًا كسلاح بعيد، أو قصير المدى، أو سلاح ناري، أو سلاح حادًا، كذلك تحديد المنطقة المراد إصابتها كأمرٍ يعنيه المجرم لأسباب تدفعه على اختيارها، كمنطقة الرأس مثلًا تشكّل هوية الضحية، تعني من قبل المجرم إزالتها أو تشويهها. يتطرق الكتاب أيضًا عن المفهومية الخاطئة الشائعة بين الناس تجاه المخدرات، كونها هي الدافع المسبب للجرائم، كما يعتبره الكاتب سببًا غير منطقيًا، إذ إن المخدرات لا تعتبر دافعًا لاقتراف جريمة ما، بل تعتبر محفزًا لا ينفصل عن الجانب الإجرامي. «فالدوافع السلوكية وراء أي جريمة سواء كانت منظمة أو عشوائية، هي: الانتقام، السيطرة، التعويض، القوة» ثم تأتي المخدرات لتقوم بتحفيز هذه الدوافع وإظهارها بشكلٍ متوحش، فلا نستطيع القول إن المخدرات سببًا في الجريمة، بل محفزًا خطيرًا يجعل من المدمن مجرمًا في يومٍ ما. للجرائم صورُ مختلفة: قتل، ابتزاز، تشويه، أو خطف تعويضًا للأمومة. مع اختلاف الدوافع التي يشعر بها المجرمون، وباختلاف ماضيهم، يترتب كل ذلك على عاتق المحلل. يقدم لنا المؤلف تحليلًا لكثير من القضايا المروعة، الكتاب أشبه بالمذكرات، يقصص علينا الكاتب حواراته مع المجرمين ومحاولاته في فهم ما يجول في عقولهم قائلًا في مقدمة الكتاب: «رغبتي في وضع أسس لمجال التحليل الإجرامي وأرشيف سلوكي جنائي عنهم».