في السعودية عام 2030، تتقاسم مصادر الطاقة المتجددة والوقود الاحفوري توليد الطاقة الكهربائية بواقع 50 % لكل منهما؛ بعد أن تم التركيز على مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، نظرًا لكفاءة معدلات الإشعاع الشمسي وحركة الرياح في مناطق المملكة. الطاقة الشمسية تُعد من أهم مصادر الطاقة المتجددة في العصر الحديث، لما لها من دور بارز في تحقيق التنمية المستدامة وتخفيف تأثيرات تغير المناخ. المملكة واحدة من أفضل المواقع في العالم لاستغلال الطاقة الشمسية. حيث تقع في منطقة تتميز بشمس ساطعة طوال العام، وتحتل ثاني أفضل مصدر للطاقة الشمسية بعد صحراء أتاكاما في تشيلي، مما يجعلها موقعًا مثاليًا لمشروعات الطاقة الشمسية الحديثة، لقد أوضحت وكالة الطاقة الدولية، في هذا العام 2023م، تخطّي مشروعات الاستثمارات العالمية في الطاقة الشمسية للمرة الأولى المبالغ المستثمرة في استخراج الوقود الأحفوري. لقد حظيت بلادنا و"لله الحمد" بمقومات هائلة، كون موقعها الجغرافي يقع في نطاق «الحزام الشمسي العالمي» مما أدى إلى ارتفاع مستوى السطوع ومعدل الإشعاع الشمسي في مناطقها المختلفة. حيث بلغ متوسط سطوع الساعات الشمسية في المملكة 8.5 ساعة يومياً وفقًا لبيانات المركز الوطني لعلوم الأرصاد الجوية ، ويتراوح متوسط الإشعاع الشمسي بين 6.7 و 9.77 كيلووات ساعة لكل متر مربع يومياً وفقاً لرويترز، مما دعا المملكة لاستغلال هذا المصدر الطبيعي (الطاقة الشمسية) لإنتاج الكهرباء، وأهمية تسخير التقنيات الحديثة المتسارعة في هذا المجال، مثل الخلايا الكهروضوئية، ومحطات توليد الطاقة الحرارية، وأنظمة الطاقة الشمسية المركزة، وألواح الطاقة الشمسية ذات التقنيات الحديثة لإنتاج الكهرباء ليلًا. ووفقًا للاستراتيجية السعودية الجديدة للطاقة المتجددة، فقد تم رفع الهدف الشمسي لعام 2023 من 5.9 جيجاوات إلى 20 جيجاوات، وتعديل مصادر الطاقة المتجددة من 9.5 جيجاوات إلى 27.3 جيجاوات، كما استهدفت أيضا في عام 2030، هدفا قدره 40 جيجاوات من الطاقة الشمسية، أي ما يعادل أكثر من "ثلثي" إنتاج مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، وهدفًا إجماليا قدره 58.7 جيجاوات من مصادر الطاقة المتجددة، من أجل هذا، تم إطلاق العديد من المشروعات الرائدة بالشراكة مع القطاع الخاص والشركات العالمية لبناء محطات توليد الطاقة الشمسية في عدد من المناطق المملكة المختلفة، ومن بين هذه المشروعات الواعدة، مشروعات "الشعيبة1" و "الشعيبة2" من أضخم مشروعات إنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية في العالم وتبلغ سعته الإنتاجية 2.66 جيجاوات وبتكلفة استثمارية تصل إلى 2.37 مليار دولار، ومشروع سدير للطاقة الشمسية الذي يعد إحدى أكبر محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية في العالم، والذي تبلغ سعته الإنتاجية 1,500م ميجاوات، وهو أول مشروع يتم تنفيذه في إطار برنامج الطاقة المتجددة، ومن المتوقع تشغيل المشروع في 2025، ومشروع رابغ الشمسي الذي تبلغ سعته الإنتاجية 400 ميجاوات، والتي تتجاوز قدرتها الكلية مجتمعة 3 جيجاوات، ومشروع سكاكا الشمسي الذي يعد أول مشروع للطاقة الشمسية الكهروضوئية في المملكة، بسعة إنتاجية 300 ميجاوات، ومحطة الفيصلية وسعتها الإنتاجية تبلغ 600 ميجاوات. ومحطة رابغ ومحطة جدة للطاقة الشمسية بسعة إنتاجية تبلغ 300 ميجاوات لكل مشروع منها. كما شهدت المملكة مشروعات وتطورات واسعة أخرى، منها مشروع نيوم الشمسي، الذي يعد واحدًا من أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، ومشروع وادي الدواسر الشمسي. فمن منطلق أهمية الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، اتخذت المملكة عدة إجراءات محفزة للشركات والمستثمرين على الاستثمار في هذا القطاع الواعد، منها برنامج التطوير المتكامل للطاقة المتجددة، وتمويل المشروعات بعقود طويلة الأجل، وإصدار لوائح وانظمة تنظم قطاع الطاقة المتجددة، وتطوير البنية التحتية، وشراكات استراتيجية مع شركات عالمية لنقل التقنيات الحديثة والخبرة في قطاع الطاقة المتجددة، وعلى وجه الخصوص التقنيات الحديثة في قطاع الطاقة الشمسية، حيث إن تقنية الطاقة الشمسية التقليدية الحالية تعمل فقط على امتصاص الإشعاع الشمسي لتوليد الكهرباء أثناء سطوع الشمس، بينما لا يتم الاستفادة من الألواح الشمسية خلال فترة الليل لتوليد الكهرباء، وتعد هذه المسألة من أبرز التحديات التي واجهت علماء الطاقة في توليد الطاقة من الألواح الشمسية التقليدية، سواء من حيث استمرارية إمداد الطاقة على مدار اليوم، أو التكلفة الباهظة لتخزين الطاقة في بطاريات تخزين ودمجها في الألواح الشمسية. إلا أن هذه التحديات تغلب عليها علماء الطاقة الشمسية مؤخرا بتقنيات حديثة، حيث أظهرت الدراسات والتجارب العلمية إمكانية إخراج حرارة بعض المواد التي تم اكتسابها أثناء سطوع الشمس لتوليد الكهرباء أثناء فترة الليل. فمن منطلق الاستفادة القصوى من الألواح الشمسية ليلًا ونهارًا، قام باحثون مؤخرا في جامعة ستانفورد من تركيب نوع "جديد" من ألواح الطاقة الشمسية الحديثة التي تجمع وتحول الطاقة الشمسية إلى كهرباء في فترة النهار، وفي الوقت نفسه تعمل على تحويل الطاقة المنبعثة من التبريد الإشعاعي إلى طاقة كهربائية بعد خلال فترة الليل. كما لفت انتباه الباحثين، أن هذه التقنيات الجديدة تطيل من عمر الألواح الشمسية، وتعد مصدرا مستدام للطاقة. كما أوضح الباحثون أن هذه التقنيات لا تزال في بدايتها؛ وقد تحتاج لمزيد من البحث والتطوير قبل إطلاقها بشكل تجاري. تتوالى في عصرنا الحالي النقلات النوعية في مجال الطاقة المتجددة، من أبرزها الجهود المشتركة بين الباحثين والعلماء التي تمهد الطريق لتحقيق مستقبل واعد، يعتمد على تقنيات الطاقة الشمسية "ليلًا " كخطوة استثنائية نحو تحقيق استدامة إمدادات الطاقة "ليلًا" و"نهارا"، مما يجعل الطاقة الشمسية "الليلية" تحل مكان الطاقة الشمسية "التقليدية" مستقبلا. وبما أن موقع المملكة الجغرافي، يحظى بإشعاع وسطوع شمسي طوال العام، وهناك العديد من المشروعات الحالية والمستقبلية الضخمة في قطاع الطاقة الشمسية، تجدر الإشارة هنا؛ إلى أهمية الاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة في مجال الطاقة الشمسية "ليلًا" في تلك المشروعات الواعدة في بلادنا. * عضو مجلس الشورى لجنة التعليم والبحث العلمي