لا يمكن بأي حال تسويغ وتبرير هذا التصعيد تجاه غزة، ولا يمكن لعاقل منصف ومحايد أن يضرب صفحاً عن هذا العدوان الشرس الذي يمارس بكل صلف تجاه قاطني غزة، وما يشاهده العالم من فظاعات تدمي القلب، وتستثير السخط والاستهجان؛ بل الاحتقار لما يعيشه الفلسطينيون من قتل وتنكيل ومحاولة تهجير. إن ما يحدث في أبسط صوره؛ هو وحشي وضد أي سلوك إنساني وحضاري، بل إنه هزيمة شنعاء ونكراء للعقل، فلا هزيمة تعدل هذا التوحّش، ولا نبالغ إذا قلنا بأنه هزيمة أيضاً للأمم المتحدة التي تأتي هذه المأساة لتضع مصداقيّتها على المحكّ. إن استمرار هذا القصف والقتل للفلسطينيين إضافة إلى بشاعته فهو عار على منظومة القيم وكل سجايا وصفات الإنسانية وقيم التحضّر، فالعالم بات عاجزاً حتى على استيعاب تهاوي القيم والإرث الثقافي والحضاري أمام نزوعات الشّر والحرب الجائرة والاعتداءات السافرة تجاه شعب أعزل إلاّ من ثباته وإيمانه بعدالة قضيّته. إن جهود المملكة وتأكيد موقفها الراسخ العادل، ورفضها القطعي للعملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة هو موقف مسؤول يدرك ويستبصر المآلات الخطيرة التي قد تفضي إليها تداعيات هذه العمليات الوحشية، وما قد يترتب عليها من احتمالية جرّ المنطقة لحالة تصعيد غير مسبوقة ستطال تداعياتها الأمن والسلم الدوليين. ففي الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى أن يتجاوز مآزقه العديدة وحالات الفقر، والحروب، وفظاعات الإرهاب، وكل ما يهدد أمن العالم؛ نجد تجاهلاً لكل نداءات العقل والروية من الإسرائيليين، كما أنه ضربٌ وتعويق لكل الجهود الخيّرة والإنسانية التي تسعى لها الدول المؤثرة والساعية لخير البشرية، فما يحدث من تصعيد قد يفشل ويربك كل الجهود، بما فيها دور المملكة الفاعل مُنذ بدء الأزمة، ومواصلتها جهودها مع كافة الأطراف المؤثرة والفاعلة لخفض التصعيد وضرورة حماية المدنيين ورفع المُعاناة عنهم وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية لهم ورفضها التهجير القسري للفلسطينيين. باختصار ما يحدث خطير وباعث لهلع العالم، ففداحته لا يمكن حصر تداعياتها لكن التعجيل بدخول المنطقة في دوامة عنف طويلة ولا مُنتهية هو أبرز المخاوف التي يبديها قارئو الأحداث الحصيفون، وهو ضرر وتهديد لا يقتصر أثره على أمن المنطقة فقط، بل إنه سيضرب ويدك مدماك الأمن والسلم الدوليين، ويجرّهما لتداعيات خطيرة وجسيمة، ما يعني أن لا خيار أمام العالم سوى الانحياز للعدل ولقيم وأعراف مشتركاتنا الإنسانية التي تكفل وضع حد للقضايا والنزاعات العسكرية، كما أنه مؤاخذ على أي تأخير في استصدار أمر وتبنّي قرار فوري ومُلزم لوقف إطلاق النار وتجنيب المدنيين ويلات النزاع القائم.