قيل في الشعر: لا تشك للنّاس جرحاً أنت صاحبه لا يؤلم الجرح إلا من به ألم لنتمعن معاً ماذا فعلت ال(لا) في صدر البيت وعجزه حتى تحكمت في حياة البشر، حتى تعب منها الجسد وشاب منها الرأس. آه منك يا (لا) كم أنتِ صغيرة وقوية وفي أحيانٍ ضعيفة وكبيرة، بل قد تكونين سعيدة مرات وأخرى حزينة. ترى كم جمّعتِ وكم فرّقت من الأجناس، وكم أتعبت شيوخاً واشتكى منك أطفال، بل لم يسلم منك سائر الناس من جميع الأصناف. فكرت فيك يا أعجوبة الحياة، سبحان من أعطاك هذا الجلال والقوة والتنوع! فكل ما في هذا الكون قائم عليك. قال تعالى: (لا تشرك بالله) وقال سبحانه: ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ). بل وحتى حق الوالدين ارتبط بك: (ولا تقل لهما أفٍ). وفي الاقتصاد في قوله تعالى: (لا تسرفوا)، وفي التعامل مع أمور الحياة قوله: (ذلك الكتاب لا ريب فيه)، وقوله: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت علام الغيوب). أما رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فأوجز لنا كيف نتعامل مع صعاب الحياة حيث قال: (لا تغضب). كيف لنا أن نتعامل معك أيتها ال(لا)، فهل تكونين أساس قرارنا أم نبعدك عن طريق حياتنا؟ أُصدقك القول يا صغيرتي أنني شخصياً تعلمت منكِ ولا عيب من التعلم من صغير الأشياء، وكما قيل "لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى". فكم بيوت أساسها (لا) أريد سواك، وكم من صغيرٍ ذرفت دموعه (لا) يريد إلا أمه وكل شيء فداها. التاريخ يقول أن (لا) حرفان قامت عليها من الحروب ألوان، وضاعت بسببها أممٌ وتهدم بنيان. وفي المقابل، (لا) تقوم عليها العدالة ومنها قد يكون الإحسان. ومع ذلك، لا بد أن نتعلم منك، أيتها القوية الحنونة العادلة الظالمة العجيبة الغريبة، أن نقول (لا) عندما يلزم ذلك. لِم لا نتعلم، كيف نجعلك صغيرة بعد أن كبر معك التافهون على حساب قراراتنا. أصدقك القول أنني شخصياً، كنت أحترمك على أكتاف كرامتي ولا أعتبر لذاتي، سامحيني فهي ليست غلطتك، إنها غلطة عدم معرفة التعامل معك. وقعت في شراكك حين ألبستك أحسن الثياب ورسمت لك ابتسامة عريضة، أقنعت نفسي أنك أنت الصواب وما عرفت إلا لاحقاً أنك لبست لباس الذئاب. أخاطبك أيتها ال(لا) وأقول لك لقد كبرت يا صغيرتي، ورميت بك خلف السياج، وعرفت قوانين لعبتك وحاربتك بالسلاح نفسه، فأنت من بداية تكوينك لك من الفنون ألوان، فأنت إما: جازمة، وكم جزمت بعدك أفعالاً، أو مهملة، لا عمل لك مع الأفعال أو نافية للجنس ولا يبقى بعدك أجناس. لذا يا عزيزتي لن أتعامل معك إلا بميزاني الجديد في حياتي الاجتماعية فلن تجزميني أو تهمليني أو تنفي جنسي يوماً. قبل الوداع أقول لك إنني قررت أن أكون (لا) حين أريد أن أكون (لا)، وأكون (نعم) حين أحب أن أكون (نعم). بل لن أُسيّر حياتي وقراراتي على حساب أي إنسان، فتقبلي شهادة شكري لك ول(نعم)، فأنتما بالنسبة لي وللبشر كالماء والهواء سواء.