يتطلب بناء مستشفًى ذكيًا أكثر من مجرد توفير وتسخير التقنيات الحديثة والابتكارات التكنولوجية، سواء في استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الجراحية أو رعاية المرضى، أو استخدام تقنيات النانو في علاج الأمراض المستعصية كالسرطان، أو حتى أتمتة الإجراءات الاستشفائية الروتينية. ولإنشاء مستشفًي ذكيًا قادراً على توفير الرعاية الصحية المتكاملة والمتقدمة، يجب آن تتوفر بيئة متناغمة ومترابطة تعزز قطاع الرعاية الصحية ومكوناته، وتكمل بعضها البعض. هناك تصور لدى البعض، بأن قطاع الرعاية الصحية متخلف عن باقي القطاعات فيما يتعلق بدمج التقنيات الحديثة. ولكن في الواقع، هنالك تقليد طويل من الابتكار في هذا القطاع. على سبيل المثال، فإن تاريخ التطبيب عن بعد في المستشفيات يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وأول نظام إلكتروني للسجل الصحي ظهر في السبعينيات، والجراحة بمساعدة الروبوت ظهرت لأول مرة في الثمانينيات. أما اليوم، فبات من المعتاد رؤية التقنيات التي كنا نشاهدها فقط في أفلام الخيال العلمي في مختلف أقسام المستشفيات، كاستخدام نماذج التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في التحليلات التنبؤية لدعم القرار الإكلينيكي، أو معالجة الملاحظات السريرية والإكلينيكية. فضلاً عن التطبيقات والأدوات المتواجدة في المنازل الحديثة كالإضاءة التي يتم التحكم فيها عن طريق الصوت، وشاشات الفيديو متعددة الأغراض التي أصبحت من المكونات الرئيسية في غرف العمليات العالمية. وقد يكون التنفيذ أو خطواته، إحدى أبرز التحديات التي تواجه إنشاء مستشفًى ذكي. فالتقنيات التي تنجح في قطاع معين، قد لا تتناسب مع قطاع أخر، فما بالكم في مؤسسة متكاملة. ومع ذلك، هنالك ثلاث دلالات على التغيير، أولها هي الرغبة المتزايدة في دمج الابتكار بين صناعة القرار التشغيلية والإكلينيكية وتقنية المعلومات، بدلاً من التعامل مع الابتكار في كل قسم على حدة. وبالتالي يصبح الابتكار مسؤولية الجميع في المؤسسة – أقسامًا وأفرادً، خاصة وأن قطاع الصحة بحاجة للقدرة على التمحور ومواكبة التطورات بليونة وسرعة متوازنتين، إذ أن استخدام الورقة والقلم ومراكز جمع البيانات في المستشفى نفسها، يحولان دون ذلك. أما الدلالة الثانية، فهي انخفاض تكلفة الخدمات الحاسوبية، خاصة تلك التي تعنى بالحوسبة السحابية (cloud computing) والأداء الحاسوبي، إذ بات بقدرة أي شخص مع بطاقة ائتمانية برصيد عالٍ، أن يعزز من القدرتين بمجرد خطوات بسيطة. والدلالة الأخيرة للتغيير إلى مستشفى ذكي، تكمن في تحول القطاع الصحي من التركيز على ما يمكن أن تقدمه خدمات الرعاية الصحية، إلى التركيز على المشاكل التي تحتاج أن تعالجها، كالحالة التي شهدناها في جائحة كوفيد-19. وعلى الرغم من أن المستشفيات استطاعت أن تحدث أنظمتها في فترة قصيرة، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن إنشاء مستشفًى ذكيًا متكاملاً يتطلب سنوات، خاصة فيما يتعلق بتهيئة البنية التحتية وإعدادها لتكون جاهزة على استيعاب المستشفى الذكي وتقنياته وخدماته. فالموضوع يمكن شرحه في إطار التطوير العمراني - فمن أجل بناء حي سكني أو تجاري، علينا إعداد المساحة ووضع البنية التحتية والمرافق المناسبة التي ستلبي احتياجات السكان والمستخدمين. وهذا الأمر غالباً ما يتم التغاضي عنه. فالكثيرون يريدون تطبيق الرعاية الصحية الافتراضية على سبيل المثال، دون الأخذ بالاعتبار مستلزماتها لتوفير أفضل مستوى ومعيار من الرعاية. لذا من أجل الاستعداد لمتطلبات القطاع الصحي المستقبلية، وتمكين قدرته على تلبيتها وتوفير أفضل خدمات الرعاية الصحية، يتوجب على مؤسسات الرعاية الصحية والمستشفيات أن تعيد النظر في نماذج عملها (business models) والأخذ بعين الاعتبار سبل ووسائل توسيع خدماتها ونطاقها. *نجلاء الهديب مديرة هيوستن ميثوديست لخدمات الرعاية الصحية العالمية في السعودية وقطر