واجه العالم منذ مطلع هذا العقد العصيب تحديين وجوديين، بدأ بفيروس غامض أغلق الكوكب، وحول المدن المكتظة لطرق أشباح، وأعاد البشر لزمن الكهف السحيق، وما أن بدأ العالم يخرج من شرنقة الخوف، بعد عامين عسيرين حتى اندلعت حرب مخيفة في قلب القارة العجوز، التي ظنت أنها قد طوت صفحاتها السوداء وأضحت قارة للسلام، فإذا بالمدافع الروسية تعيدها للواقع مستعيدة مشاهد الحروب الكونية الغابرة، ومتوجسة من حرب ثالثة أشد هولاً. في هذا الطقس الدولي العاصف، مخرت المملكة عباب المخاطر بنجاح استثنائي، وعبرت الأرض الشائكة مقدمة دروساً ثمينة في إدارة الأزمات، وتجنيب مواطنيها ومقيميها تداعيات مؤلمة لهذه التحديات المعقدة، بل ونهضت بدور دولي بارز لنجدة الدول المحتاجة، ولعبت أدواراً كبرى في دعم السلام والاستقرار الدوليين، حتى أضحت ركناً أساسياً في منظومة السياسة الدولية، وقطباً عالمياً لا يمكن تجاوزه أو تجاهل مصالحه. الثلاثة أعوام الأخيرة كانت بحق قصة نجاح عظمى لهذا الوطن، فالاختبارات كانت قاسية، وملحمة الصمود والارتقاء كانت نموذجاً يستحق التأمل والدراسة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعجلة المشروعات الكبرى تدور بأقصى سرعة، فالسياسة الحكيمة للقيادة - رعاها الله - أحالت الصعوبات فرصاً، وحولت المواقف المعادية أياديَ ممدودة، وجعلت من أجواء الاستقطاب جسراً لتوثيق علاقاتها مع الجميع، لتصبح وسيطاً موثوقاً بين الخصوم، وراعية للحوار ومساعي السلام والاستقرار. لقد ارتقت المملكة في هذا العهد لمكانة جديدة وغير مسبوقة، وأضحت اللحظة السعودية بحق فرصة للمنطقة للخروج من أزماتها المزمنة وعقدها القديمة، إلى فضاء أرحب من التقدم والتنمية، واستتباب الأمن والاستقرار، وتحقيق تطلعات وآمال الشعوب، ولقد بدأ تأثير النموذج السعودي يتصاعد في المنطقة، وباتت آيات النهضة السعودية في كل المجالات قصة رائجة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه هي القوة الناعمة التي ستقود المنطقة - إن صدقت النوايا - إلى فجر جديد.