في منطق الحوار الثقافي أَن يكون المُحاور وُجْهةً وُثقى للمُحاوَر، فتَنتُج عن الحوار ثمارٌ إِبداعية يحتاجها القارئ كي يكوِّنَ أَو يصحِّح أَو يصوِّبَ فكرةً من أَجوبة الحوار يكون السائلُ بَرَعَ في استخلاص مضمونها وهو يطرح السؤَال. وهي ليست عملية سهلة، إِذا رُمنا من الحديث أَن يكون جوهرُه مفيدًا، وإِضافةً مضمونية إِلى نتاج الكاتب بفضل هذا الحوار، حين يحسن المُحاور تحضير أَسئلته سندًا إِلى معرفتِهِ الكاتبَ أَو متابعتِهِ أَعمالَه. عرفتُ عبدالله الحسني قبل أَن أَعرفَه. بدأَت علاقتي به عن بُعد، مديرَ تحرير الشؤُون الثقافية في جريدة «الرياض»، أُرسل إِليه مقالاتي الأُسبوعية لزاويتي «في رحاب الرياض»، وغالبًا ما كنا نتراسل صوتيًّا ف»أَرى» في صوته صديقًا صَبوحًا دمثًا تُربكني لهجته الودودة لِما فيها من نُبل وشهامة. وبقينا هكذا حتى زرتُ الرياض فكانت زيارةُ «الرياض» أَول أَهدافي، والتقَيْتُ أَبا وائل فكأَنني كنتُ وإِياه أَمس وعُدتُ فَوافَيْتُه اليوم، بعضُ الوجوه تسبق أَصحابها إِلى القلب، ولم تقتصر زيارتي، بفضله، على أَقسام الجريدة وكتَّابها، بل هيَّأَ لي «أَبو وائل» حديثًا اكتشفتُه به من جديد محترفًا إِلى الأَقصى من احترام الضيف وتهيئة الحوار معه، لعُمقِ ما كان قرأَ لي ومني وعني، حتى جاءت أَسئلته تضيف لي شخصيًّا فوقَ ما عندي، مما لم أَكن أَجبْتُ عنه ولا في أَيٍّ من أَحاديث سابقة لصحف محلية أَو عربية. هنا فرادة المُحاور الذي يجعل الحديث متعةً للمُجيب وللقارئ وللإضافة التي يُحدثها السائل مما لا يكون حتى في بال المُجيب. وعند الفراغ من الحوار، وجدتُني قلتُ ما لم أَكن أَنا ذاتي أَعرف أَني سأَقوله. هكذا أَفهم أَهمية كتابه الجديد «الاختلاف أَفسَدَ للودِّ قضية»، قطفَ له حوارات كان أَجراها طيلة ربع قرن، ويقدِّمها اليوم إِلى مائدة الأَدب والفكر خبزًا طازجًا شهيَّ المذاق والأَطباق، حتى لهو ذخيرةٌ لأَصحابها قبل أَن يكون زادًا للقراء، حاليًّا وفي أَيِّ زمن مُقبل، ومعيارًا ساطعًا «لأَي مشهد ثقافي» (كما كتب في مقدمة الكتاب). وأَحببت قولَتَهُ في المقدمة إِن الحوار «يضع القارئ في مواجهة صادقة مع المثقف باعتباره كائنًا «بيوثقافيًّا» فتكون مجموعة الحوارات «سجِلًّا تدوينيًّا للحركة الثقافية»، ... «مع الحفاظ على أَواصر التقدير ووشائج الاحترام»... «ونبْذ أيِّ سُكون». لكأَنني بالصديق عبدالله الحسني، في تعابيره أَعلاه وسواها في مقدمته، اختصَر قواعد المحاورة المسؤُولة، دُربةً للقراء، ودَربًا للمحاورين، ويكون كتابه لا إِفسادًا للود بل للَّغْط الذي يؤَدِّي إِلى فشل الحوار وإِفشال السائل والمُجيب معًا. «اختلاف» عبدالله الحسني، في مكتباتنا، مرجعٌ نعود إِليه تكرارًا، ولا نكُفُّ عن حصاد. هنري زغيب خلال زيارته لمقر الصحيفة ويبدو الزميل مشعل العنزي