تكتب فاطمة فتمطر الحروف، كالسيل من جميع الجهات، تمطر قصص وحكايا من واقع الحياة المعاشة، تمطر سحر وكلمات في سرد وأسلوب. أقرب إلى همس الحرير في يوم ربيعي غائم شفاف، يرش رذاذ مطر خفيف على النوافذ والأبواب والجدران والشرفات الوردية اللون، ليرسم دوائر حمراء صفراء خضراء زرقاء بيضاء، كأنما هي جميعها قوس قزح أو كل ألوان الطيف. في مجموعتها القصصية «بيت بلا جدران» التي كتبتها فاطمة الدوسري باحترافية شديدة، قصص من واقع الناس والحياة والحزن وألم الإنسان وعذاباته اليومية وركضه في دروب حياة معقدة، متشابكة الدوائر حيث يقف الفرد فيها في المنتصف، حائر بين واقعه وأحلامه وأقداره ومجتمع لا يرحم تحكمه عادات وتقاليد محكومة هي الأخرى بإرث عتيق حيث تتوارث الأجيال. ما اعتادت عليه من تفاصيل معيشة وأسلوب حياة، المجموعة تحوي اثنتي عشرة قصة. ما يميز القصص هي العناوين حيث أن كل عنوان في حد ذاته قصة داخلها حكاية وفي كل حكاية ثمة نوافذ كثيرة يدخل من خلالها الضوء ويسكن الأمل كل زاوية من زوايا هذه أو تلك الحكاية من خلال هذا أو ذاك العنوان. فحين تصبح العناوين رسائل وجودية إلى الناس والعالم والذات البشرية، هكذا جاءت عناوين قصص «بيت بلا جدران» وهو العنوان الرئيس وبطلة القصة التي غذت أحلامها بعودة أخيها وأخذت تستعد للقاء وهي تقرأ في عيني أمها الوله أكثر منها. ثم قصة» نهاية أو بداية» وانكسارات امرأة لم يقدر لها الانجاب والخوف من الوحدة؛ «إنهم يقتلون الأمل» تموت أحلام بطلة القصة على قرارات تحيلها إلى هامش بلا حواف. وفي «حبات الرمل» تبرز معاناة بطل القصة الذي طوحت بحبه عادات قديمة، أم لم تكن أمه ليعيش صراعا آخر. «صراع بين الجدران الباردة»، وألم فتاة لم تستطع الغربة وفراق الأهل. وفي انهيار، البحث عن الذات الغاربة في الخضوع والانقياد بلا رأي واستلاب الشخصية والمقاومة التي جاءت بصورة بشعة. أما قصة انزواء؛ تساقط شاب في ثنايا خطاياه ولحظة الندم المتأخرة. وفي الزعفران؛ المسافة بين الفقر والغنى حفنة نقود قصة تحكي الرفاهية والاحتياج في أقصى مراحله، كما تفرد قصة الأسيرة من نوع آخر، الطموح يحملنا إلى سلم النجاح. غدا يوم آخر الحلم أن تكون أنت كما أنت لتسعى نحو أهدافك بكل قوة وثبات، وهكذا تحولت العناوين إلى سمفونية حزينة تارة وفرحة تارة أخرى، وبين الملامح والوجوه والمشاعر والأحاسيس تعزف فاطمة الدوسري حروفها على حبل السرد بفن وجمال، وعذوبة كأنما شلال ماء يتدفق من الأعلى فينساب إلى كل الأودية والتلال، يسقي الأرض حتى ترتوي حيث تكتسي باللون الاخضر وينبت من ترابها الأقحوان والورد وزهورا شتى فلا تعرف من أين تأتيك تلك الروائح الزكية وذلك العطر والعبير، أم من السماء تسقط أم من الأرض تنبت أم من الشرق تهب أم الغرب هي، أم من ذات الحروف والكلمات وذات الأوراق تشع وتفوح إنه سحر الكتابة والسرد عند بنت الريف؛ فاطمة الدوسري. * كاتبة قصة