هناك جوائز كثيرة للآداب في فرنسا، ولكن أشهرها «جونكور Le prix Goncourt»، وهي جائزة سنوية تمنحها «أكاديمية جونكور» عن طريق لجنة مُكوّنة من عشرة أعضاء من كبار الأدباء وأساتذة الجامعات ورجال المسرح وأهل الفنّ. ومع أن قيمة الجائزة النقدي لا يتجاوز مبلغاً زهيداً، إلا إن المُتقدّمين إليها يصل عددهم سنويّاً إلى نحو 500 روائي، هدفهم نيل الجائزة، لأنها تفتح لهم أبواب الشُهرة مباشرةً على مصراعيها، وترفع توزيع الكتاب الفائز فوراً إلى نصف مليون نسخة تقريباً. وقد بدأ منح الجائزة في عام 1903، أما قيمة الجائزة وأتعاب لجنة التحكيم، فتجيء من حصيلة بيع كُتب وروايات ومُذكّرات الشقيقين جول وإدموند جونكور، الذين عاشا في فرنسا في القرن التاسع عشر، ولهما كُتب ٌفي التاريخ والاجتماع وروايات مُتعدّدة، ولكنهما اشتُهرا بمُذكّراتهما عن أشهر أدباء وفنانيّ ذلك العصر، من أمثال تورجنيف، وبلزاك وفلوبير، وفيكتور هوجو، وإميل زولا، وموباسان، وجورج صاند .. وغيرهم. وكان بيت الشقيقين يجمع عُظماء الأدب والفنّ والشِعر والمسرح في فرنسا كلّ ليلة، وكان الشقيقان يُسجّلان مُذكّراتهما بعد انصراف الجميع. وفي هذه المُذكّرات طرائف ونوادر وحكايات وأشعار وأسرار عن هؤلاء الكُتّاب والفنّانين. ومن أشهر من فاز بالجائزة منذ إنشائها؛ مارسيل بروست، وسيمون دي بوفوار، والفونس دي شاتوبريان، وأندريه مالرو، وهنري ترويا. وكذلك فاز بالجائزة من الكُتّاب العرب: الطاهر بن جلّون عن روايته «ليلة القَدر» في عام 1987، وأمين معلوف عن روايته «صخرة طانيوس» في عام 1993، وليلى سليماني عن روايتها «أغنية هادئة» في عام 2016. وقد عبّر أمين معلوف عن مشاعره حين فاز بالجائزة قائلاً: «عندما أعلن المُذيع عن اسم الفائز، كانت مشاعري مضطربة، لدرجة أني لم أسمع جيّداً الاسم الذي نطق به، ولكن عندما تصاعد الصخب وسط الحشد الصغير، وبدأ الناس يتدافعون من حولي لتهنئتي، أدركت حيتها أن الفائز هو أنا»! وقال الطاهر بن جلّون: «انفجرتُ في البُكاء مثل طفلٍ اجتاز الامتحان لتوّه، وعندما اتّصلتُ بوالدتي الأُميّة، والتي لا تعرف كلّ هذه الألعاب التحريرية، قلتُ لها: أمّي، لقد نجحت»! ويتمّ إعلان الفائزين من اجتماع لجنة الجائزة في مطعم «دروان» الباريسي العريق، بالقُرب من مبنى دار الأوبرا في قلب العاصمة الباريسية، في الثالث من شهر نوفمبر من كلّ عام. ولو ذهبتَ إلى أيّة مكتبة في فرنسا قبل أيّام من عُطلة عيد الميلاد ورأس السنة، فستجد زحاماً من الناس، يقولون للبائعين: أعطني جونكور! والمقصود طبعاً الكتاب الفائز بالجائزة، ليقرأوه ويُقدّموه لأفراد أسرهم وأصدقائهم كهديّة في العطلة، وهُم على يقين من أن الكتاب يستحقّ القراءة، ما دام قد فاز بالجائزة الشهيرة. ومع الاعتراف بأنه طوال مئة وعشرين عاماً، هو عُمر هذه الجائزة الأقدم والأهمّ في أوروبا، الخاصّة بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية، فإنها الجائزة الوحيدة التي لم يعترض أحد على نتائجها، سواء بالنسبة للقيمة الأدبية للأعمال الفائزة، أو الكُتّاب أنفسهم، ومع ذلك فقد هوجمتْ من أكبر النُقّاد الفرنسيين، فقالوا: إن أشهر الكُتّاب لم يفوزوا بالجائزة أبداً، فلم يحصل عليها أندريه جيد، أو فرنسوا مرياك، أو سارتر، أو كامو، أو سانت أكسوبري. واتّهمتْ الجائزة كذلك بالتحيّز ضدّ النساء، فمنذ تأسيسها اختارت لجنة التحكيم 12 كاتبة فقط، مُقابل 108 مرّات صوّتت فيها لصالح كُتّاب رجال.