ذهبت مع ولدي لمشاهدة هذا الفيلم كما ذهب الكثيرون غيري، الملايين غيري، هل يستحق الضجة، نعم يستحق، ليس كالفيلم الآخر الذي يحظى بنفس الضجة وربما أكبر وهو فيلم باربي. أخرج الفيلم كريستوفر نولان وهو مخرج معروف بروائعه الأخرى التي لا تشبه أسلوبه في هذا الفيلم، لكنه ظل قادراً على إذهال الناس في فيلم يتحدث عن شخصية مخترع القنبلة الذرية ويصور حماسه ثم حيرته والمعضلة الأخلاقية التي شعر بضخامتها مع مرور الوقت. يصور لنا الفيلم منذ البداية شخصية العالم الفيزيائي أوبنهايمر وهوسه بالفيزياء واعتداده الشديد بنفسه وإيمانه بعلمه، وكيف بنفس الثقة بالنفس تعاون مع السلطات التي طلبت منه تكوين فريق قادر على صنع قنبلة ذرية، لم تراوده الشكوك في أخلاقية العمل الذي يقوم به، كان مؤمنًا بعدالة ما يقوم به وأنه سيمنح العالم التوازن المطلوب في مواجهة النازية الألمانية والشيوعية الروسية، وحتى بعد أن تم إلقاء القنبلة على هيروشيما ونجازاكي، كان هناك ذاك الاحتفال الصاخب والفرح العارم بنجاح القنبلة، لكن، مع تواتر الأخبار، بدأ ثقل الأمر يحط على أكتاف أوبنهايمر. الفيلم مليء بلحظات الحيرة، ذات الحيرة التي يشعر بها الإنسان العادي أمام أخبار الحروب، يتعاطف مع المصاب بالدمار مهما كانت أسباب الحرب عادلة أو لا مفر منها، كيف إذاً يكون إحساس الفرد الذي قام بصنع قنبلة يعرف أنها تحمل كل هذه القدرة على التدمير. هذه الأسئلة التي يفجرها داخلنا الفيلم، والتي تجعلنا نحن المشاهدين في حيرة، هل نتعاطف مع أوبنهايمر ونصدق حيرته وألمه تجاه ما حدث، أم نلعنه لأنه أخذ العالم في هذا الاتجاه، اتجاه صنع القنابل النووية، والخوف المستمر من قيام حرب تتبادل فيها القوى هذا الاختراع العبقري الذي سيقضي على العالم. كان في سباق مع هتلر، لكن هتلر انهزم وغادر، وبقي أوبنهايمر مصرًا على استكمال صنع القنبلة هذه المرة لكبت جماح قوى أخرى معادية. الفيلم ثلاث ساعات، مليئة بالإثارة والأحداث، حياة أوبنهايمر الشخصية، عمله كرئيس قسم الفيزياء، أصدقاؤه وزملاؤه وحواراتهم، ارتباطه أو عدم ارتباطه بالحزب الشيوعي، اختياره لصنع القنبلة، الاتهامات الموجهة فيما بعد، اعتراضه على صنع القنبلة الهيدروجينية. مسائل كثيرة معقدة يطرحها الفيلم، وممثلون كثر كلهم من ألمع الأسماء، ولقطات صغيرة لكنها مهمة ومتراكمة وتقودنا في النهاية إلى دلالات مهمة، مثل لقائه بآينشتاين عند البحيرة، ثلاث ساعات لا تمر عليك لحظة ضجر، ممثل عظيم يبدو أنه سينال الأوسكار قريباً. فيلم سيبقى في تاريخ السينما ولا يمكن الإحاطة بأهميته في مقال.