في شهر آب أغسطس في كل عام، ومنذ العام 1945، يتذكر العالم باسره ذكرى القنبلة الذرية الاولى، التي القيت من القاذفة الأميركية "ب 29"، واسمها "اينولا جاي" على مدينة هيروشيما اليابانية، لتفتتح عصر الرعب الذري في الحضارة الانسانية. ولا يمكن فصل هذه الذكرى المأسوية عن اسم العالم الفيزيائي النووي روبرت اوبنهايمر 1904-1967، الذي ترأس فريق صنع قنبلة "الولد الصغير"، وهو اسم الشهرة لتلك القنبلة الفتاكة. وحينها، سبقت أميركا العالم الى صنع تلك القنبلة، عبر جهود نظمتها المؤسسة العسكرية في ما عُرف باسم "مشروع مانهاتن". ووضع البنتاغون اوبنهايمر على رأس فريق نادر من أبرز علماء العالم في الذرة، جُمعوا في مختبر "لوس ألموس" في ولاية كاليفورنيا. وتصادف هذه السنة ذكرى مرور مئة سنة على ميلاد اوبنهايمر، الذي اشتهر دوماً بميوله السلمية، على رغم مشاركته الكبيرة في صنع قنبلة هيروشيما. ولد اونبهايمر لابوين يهوديين أميركيين. هاجر أبوه من مقاطعة هاناو في المانيا الى العالم الجديد في العام 1888، ليعمل في مصنع للنسيج تملكه أسرته الثرية. وترعرع على ضفاف نهر هدسون، محاطاً بأجواء الثقافة الاوروبية، التي مثلت ميل النخبة الاميركية في ذلك الوقت. درس الفيزياء في جامعة هارفرد، اضافة الى اهتمامه بالادب الفرنسي والفلسفة. وانتقل الى جامعة كامبردج الانكليزية، حيث تعرف الى علم ثوري جديد، هو فيزياء الذرة، وتأسس على يد طليعيين مثل البرت اينشتاين ونيلز بوروماكس بلانك. ومع تصاعد أجواء الحرب العالمية الثانية، وبروز نجم الزعيم النازي ادولف هتلر، عملت أجهزة الاستخبارات الغربية على اجتذاب العلماء الذريين. لم يخف هتلر شغفه بصنع القنبلة المميتة، ما سرّع الصراع الدولي على جذب علماء الفيزياء الذرية. وفي العام 1939 شارك اوبنهايمر في صياغة رسالة شهيرة رفعت الى الرئيس روزفلت، للمطالبة بتكثيف الجهود الاميركية في صنع قنبلة. وأبدى كثيرون من العلماء ازدراءهم بهذه الرسالة. وفي المقابل، وقّعها علماء آخرون، ربما كان ابرزهم اينشتاين. وفي العام 1940 انخرط اوبنهايمر في "مشروع مانهاتن". وبعد استخدام القنبلة فعلياً في الحرب، انحاز الى الفكرة القائلة بضرورة عدم احتكار اسرار القنبلة كشرط للسلام في العصر الذري. ولم تمنعه ميوله المسالمة من الاستمرار في عمله كصانع للسلاح المميت، بل وشارك في صنع القنبلة الهيدروجينية. وكرّس أواخر سني حياته للدعوة للسلم العالمي.