بعد يوم واحد من تفجير النفق تحت الموقع العسكري في رفح، أجرى مرشح حركة فتح لرئاسة السلطة الفلسطينية، محمود عباس «أبومازن» مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية الرائجة، وفي الوقت الذي احتفل فيه الكثير من الفلسطينيين في غزة ب «هزيمة العدو الصهيوني»، تجرأ أبومازن على التصريح مرة أخرى بأن الانتفاضة كانت خطأ، وان استخدام السلاح ضد اسرائيل يجب أن يتوقف. كان يمكنه، قبل عدة اسابيع من انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية، أن يتصرف مثل غيره من السياسيين، فيملأ فمه بالماء او يردد عبارة غامضة، لكنه اختار العودة لتأكيد مواقفه المعروفة من انه يمكن مواصلة مقاومة الاحتلال بالطرق غير العنيفة فقط، واضاف: «استخدام السلاح كان مضراً ويجب أن يتوقف»، ومن خلال الادراك يمس بفرص انتخابه، خاصة في أوساط الجماعات الفلسطينية المتزمتة، فصل أبومازن، في اللقاء ذاته، الفوضى الأمنية السائدة في المناطق الفسطينية حاليا، وأكد الحاجة إلى توحيد الأجهزة الأمنية وزيادة الطاعة في صفوفها. لم يرتدع أبومازن من التهديدات التي تعرض لها، كما حدث في خيمة العزاء بعرفات في غزة، مثلا، ولدى تطرقه، هذا الاسبوع، إلى ذلك الحادث قال إنه نتاج الفوضى، التوتر والأجواء المشحونة لكن ذلك شكل ايضا، فرصة للسيطرة على الأوضاع، وأكد أنه لم يغير موقفه الرافض للكفاح العنيف، رغم ما تعرض له من تهديد، وقال: لا قيمة للرأي ان بقي مجرد رأي ولم يتم تطبيقه». في قول أبومازن هذا تجديد منشط، فبعد سنوات طويلة من التذاكي والتصريحات القابلة للتأويل والتحريض الصادرة عن عرفات، نسمع تطرقا مباشرا وشجاعا للعنف من قبل وريثه الموعود. يمكن الادعاء بان هذه الأقوال قيلت بسبب الانقلاب في الرأي العام الفلسطيني، وهذا ما يستدل من استطلاعات الرأي الأخيرة التي أشارت الى أن غالبية سكان المناطق الفلسطينية يعارضون استمرار الكفاح المسلح، لكن أبومازن اطلق تصريحات مشابهة عندما كانت غالبية كبيرة من الفلسطينيين تدعم الكفاح العنيف، وعندما كان يعرف بأن عرفات لا يوافق على آرائه، وأنه يخاطر بتمزق العلاقات بينه وبين زعيمه الشعبي. لقد أدرك ابومازن في بداية الانتفاضة الحالية، انه يمكن لاسرائيل، بعد انتعاشها من المفاجأة، معالجة العنف، وصرح في ذلك الوقت، خلال لقاء مغلق، بأن استمرار الانتفاضة يشكل «كارثة»، لأنها تصد امام الفلسطينيين، كل فرصة للتوصل إلى سلام ناجح، وقال في حينه، ان الانتفاضة تؤجل حل القضية، وتمنح اسرائيل الفرصة لمواصلة ترسيخ المستوطنات في المناطق الفلسطينية. وحسب رأيه، فان انتشار الفوضى فرصة ثمينة لاسرائيل، لانتهاج سياسة «فرق تسد». يوصف أبومازن بانه شخصية فاترة وغير شعبية، محنط داخل بدلة وربطة عنق، شخص وصل الى القيادة من سلك الموظفين وليس من صفوف المقاتلين، شخص نظري لا عملي، لكن اصدقاء ابومازن المقربين يقولون انه يعرف تماما ما الذي يريده، دفع القضية الفلسطينية قدما من خلال مفاوضات موضوعية خالية من الشعارات، انه يسعى الى اقامة دولة مستقلة تشمل المناطق التي تقوم عليها غالبية المستوطنات، ومتأكد من أن المقاومة غير العنيفة فقط، ستقود الى ذلك، يصعب في هذه المرحلة، معرفة ما اذا كان سينجح بصد العنف الفلسطيني، لكنه يستدل من تصريحاته هذا الاسبوع، ان وصفه كشخص بدون عمود فقري، كان سابقا لأوانه اذ يتضح أن اللاجئ من صفد، محمود عباس، يمكنه في المستقبل غير البعيد، ملء الفراغ الذي خلفه ياسر عرفات ولكن بطريقة مختلفة تماماً.