عندما تتطلع على مشروعاته الفنية تلاحظ عملية "النبش" في الذاكرة والهوية والتاريخ والجغرافيا، وفي مدى التفاهم الحسي والفكري والذهني بينها وهي تصارع من أجل البقاء ومن أجل طبع حضور الإنسان على الأرض، فهو يستطيع توظيف الأفكار المنحازة للأرض من خلال الناس وحضورها والكيان المؤثر على الأرض والبناء. الفنان حمود العطاوي يستمدّ من الطبيعية خاماته ليشكّلها في تراكبية تجريبية تثري دلالته الحسية، مثل: التراب والحجارة ليتمكّن من احتواء العمارة كتكامل إبداعي إنساني، والنبات والشجر والحياة والصحراء، وحتى مسار الحشرات وطبيعة تكوينها منذ الشرنقة الأولى، ليعيد صياغة ملاحم البقاء في الطبيعة والاندماج الإنساني معها، وهو ما صاغه في مشروعه "السرفة" التعبير الشعبي الذي استمدّه من المعايشة الإنسانية للبيئة الصحراوية، المشروع الذي قدّمه ضمن معرض من الأرض الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء" بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. "السرفة" تأتي في ثلاثة مجسمات من شجرة الأثل بطول 240 * 85 سم، وهي حشرة كشرنقة توجد عادة في صحراء شبه الجزيرة العربية، بين أشجار "كحل الذئب"، وتعكس دقّة تجريبية وبحثاً متكاملاً لفكرة البناء والامتداد المستمر الذي يبدأ من الإنسان فرداً وينتهي نحو مجموعة متماسكة، فبين كل قطعة أنجزها تظهر رمزياً المرحلة البنيوية، وبين كل تقاطع يحكي قصة وطن وأرض، وكأنه يحيل المتلقي إلى مجموعة سرديات بصرية تخبره عن التماسك كضرورة أساسية للبناء، فبين كل فعل وردة فعل ظاهرة نجاح تبدو في الثقافة والمجتمع والاقتصاد، وتتكامل بالقيادة، وتستمر في الأرض التي احتوت التماسك بمحبّة الكيان للكائن بمرونة كثيفة ومتانة واضحة في مداها الأفقي وهندستها، حيث تبدأ من الأرض بصلابة وثبات يمتد ليعانق الفضاء. فالعطاوي يقدم رسالته في العمل (ليؤكد أن إبداع الإنسان ينبع من خلال تأمل البيئة التي وهبها الله له، وأن الحضارة البشرية ما هي إلا انعكاس للجهد والفكر والإبداع والتفاعل مع الأرض عبر التاريخ). عند الحديث مع "العطاوي" الذي يشارك حالياً في بينالسور في الأرجنتين، وقد تدرّج في نضجه الفني من الرسم والتصوير إلى النحت والتركيب أشفعها بثقافة اختصّت في تاريخ المملكة وتجميع الأساطير المحكية والحكايات الشعبية والموروث المحكي للذاكرة الجماعية والفردية، يقول إن المشروعات المستلهمة والتي قدمها وما سيقدم في طور الإعداد والتجهيز جميعها تستلهم من البيئة السعودية التي يمكن توظيفها وتفعليها بصريا، فالعطاوي له مشاركات فنية داخل وخارج المملكة منذ 2006م، مؤسس لاستديو وسم في حي جاكس، حصل على عدة منح فنية، شارك في العديد من الدول العربية والدولية بالإضافة إلى المشاركات المحلية.