لاقت مطالبات أعضاء شورى مؤخراً في مناقشة المجلس للتقرير السنوي لوزارة التجارة بالنظر في إنشاء جمعيات تعاونية بأسعار مخفضة للمواد الغذائية الأساسية للمواطنين والتنسيق مع وزارة الشؤون البلدية في زيادة أسواق النفع العام والجمعيات الاستهلاكية مع إيجاد الحلول اللازمة والجذرية لارتفاع وتفاوت الأسعار وضبطها ووضع سقف أعلى لأسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، لاقت ترحيبا وتفاعلا من قبل مختلف فئات المجتمع السعودي ومطالبة بزيادة عدد وفعالية الجمعيات التعاونية في داخل الأحياء لجميع مناطق المملكة، في الوقت الذي تشهد فيه أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعات متزايدة، ورغم أن الجمعيات التعاونية القائمة حاليا وعددها 339 جمعية تتلقى دعماً حكومياً سنوياً لا يستهان به، إلا أن الأدوار التي تقوم بها تبدو متواضعة ولا تليق بحجم ومكانة بلد وشعب مثل السعودية، وكأن القطاع التعاوني الذي يلامس احتياجات المواطنين شبه مستثنى من التطور الذي حدث في المملكة مع الرؤية، والتأسي بالتجارب الناجحة لدول الخليج العربي التي عرفت بعض بلدانه مثل الكويت والإمارات هذا النمط من الجمعيات التي تُعد مؤسسات نفع عام هدفها مساعدة المواطنين وتوفير السلع بأسعار تتناسب ومختلف طبقات المجتمع. وقد أحسن مجلس الشورى صُنعا حين فتح ملف الجمعيات التعاونية بالمملكة، مُسلطا بذلك الضوء على ما تمثله تلك الجمعيات من أهمية بالنسبة للمجتمع السعودي، ولافتاً إلى مدى الحاجة لنشرها على نطاق واسع بمختلف المناطق، وذلك من أجل الحيلولة دون ارتفاع الأسعار، ومحاربة الجشعين والمستغلين من التجار. موجة التضخم العالمية تصاعد الأسعار المتسارع الذي اجتاح أغلب السلع الاستهلاكية الأساسية وقذف بظلاله على ذوي الدخل المحدود بعد موجة التضخم العالمية، إذ لم تعد فاتورة المواد الغذائية ما قبل كورونا مثل نظيرتها في الوقت الحالي. وسجل مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك (التضخم) في السعودية، ارتفاعا بنسبة 2.7% خلال مارس 2023، مقارنة بشهر مارس 2022. حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 2.3%، متأثرة بارتفاع أسعار اللحوم والدواجن ب2.6%، وارتفاع أسعار الحليب ومنتجاته والبيض ب14.1%، وكذلك سجل قسم المطاعم والفنادق ارتفاعا ب6.3%، وخدمات تقديم الوجبات بنسبة 6.3%، يأتي هذا الارتفاع متزامناً مع مسار التراجع السعري لمعظم السلع الغذائية الرئيسة بالعالم بحسب مؤشر منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة ليتراجع بذلك 20.5 بالمئة عن الذروة التي سجلها قبل عام في أعقاب انطلاق شرارة الأزمة الأوكرانية. فيما رصدت جمعية حماية المستهلك ارتفاع في أسعار 89 سلعة غذائية في أبريل 2021 وقارنتها مع أسعار الشهر نفسه 2022، لتجد أن الارتفاع طاول 80 سلعة، بمتوسط بلغ 10.8 في المئة. نموذج واعد وتأتي الجمعية التعاونية للثروة الحيوانية والتسويق بحفر الباطن كنموذج ناجح ومشروع واعد وطموح ومصدرًا مهمًا لسد الحاجة الغذائية ورافدًا من روافد الأمن الغذائي في المملكة، فمنذ تأسيسها قبل عامين أصّر جميع أعضاء الجمعية من عاملين ومؤسسين على تحويل قطاع تربية المواشي إلى عمل منظومي من حيث تنشيط الصناعات التحويلية الرديفة ، وخلق فرص عمل مناسبة للسعوديين المؤهلين لاسيما والجمعية تهدف للوصول إلى التكامل في الخدمات المقدمة لمربي المواشي من أهل المحافظة والمنطقة قاطبة ، حيث إن سوق الأنعام في المحافظة يعتبر من أكبر وأهم الموانئ الجافة في المملكة ، وكذلك وجهة لعدد كبير من مربي الماشية من المملكة وخارجها، نظرًا لما يرد عليه يومياً من أعداد كبيرة من الأغنام والإبل بأنواعها ، حيث بلغ عدد الماشية من الأغنام المسجّلة في آخر إحصائية لفرع وزارة الزراعة بالمحافظة لعام 1440ه أكثر من ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف رأس، وتجاوز عدد ملاك الإبل والأغنام المسجلين بأكثر من عشرة آلاف ريال، بحجم تداول يُقدّر بأكثر من ملياري ريال سنويًا. مما يفتح آفاق جديدة لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وينعكس بالتالي على رفعة المنطقة اقتصاديا، هذه التجربة التعاونية تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن البيئة الاقتصادية السعودية مهيأة لنجاح الجمعيات التعاونية بكافة أفرعها الزراعية والحيوانية والاستهلاكية والغذائية على نطاق واسع بمختلف مناطق المملكة لمواجهة ارتفاع الأسعار ولمحاربة جشع واستغلال واحتكار الكثير من التجار. نشاطات متنوعة وإذا كثرت المقترحات الآن لتفعيل فكرة إنشاء الجمعيات التعاونية بالمملكة، فلابد ان نعرف أن فكرة تكوين تلك الجمعيات التعاونية ليست بجديدة على البيئة السعودية ، ويساعد في ذلك تاريخها المشرف الذي سطرت فيه دوراً اجتماعياً وآخر اقتصادياً لا يستهان بهما في المجتمع السعودي. فمن مدينة القريات إلى الدرعية يعود أول ظهور للجمعيات التعاونية في المملكة وتحديداً إلى عام 1380ه (أي قبل 64 عاما) في مدينة القريات من خلال جمعية أقامها الأهالي هناك، لكنها لم تحمل الصفة الرسمية، وبعد هذا التاريخ بعامين قامت أول جمعية رسمية – أي مسجلة في الحكومة – في الدرعية ووصل عدد الجمعيات إلى أكثر من 160 جمعية تعاونية، يغلب عليها طابع الشمولية وهو المسمى الذي يتيح لها العمل في مختلف القطاعات. ولطالما كان لهذه الجمعيات صولات وجولات في تقديم الأنشطة والبرامج المتنوعة، التي قدمت خدمات نوعية للكثير من أصحاب المهن المختلفة باختلاف نشاطات هذه الجمعيات بين جمعيات زراعية، وأخرى استهلاكية، وصيادي الأسماك، والجمعيات المهنية، والتسويقية، والخدمية، وأخيراً الجمعيات متعددة الأغراض. زيادة الوعي المجتمعي أشارت دراسة تبناها المكتب التنفيذي بمجلس التعاون الخليجي أن الإشكالية في تطوير التعاونيات في السعودية ليست في النظام أو الترخيص، فالنظام موجود من السابق وعدل من قبل، ولكن تكمن المشكلة الرئيسة في نشر ثقافة العمل التعاوني، موضحة بأنه على وسائل الإعلام دور في نشر هذه الثقافة وتوعية أفراد المجتمع السعودي بأهمية الجمعيات التعاونية في كافة التخصصات والاحتياجات. كما وتلعب الغرف التجارية على مستوى المملكة دور أكبر في تنمية عنصر المبادرة وزيادة الوعي المجتمعي في هذا الصدد، سواء من خلال تنظيم ورش عمل كبيرة توضح أهمية هذه الجمعيات التعاونية، أو بتبني النموذج الناجح الذي يساعد على تعميم الفكرة بالشكل المطلوب. وأوصت الدراسة بضرورة أن يتم بحث أسباب إخفاق بعض الجمعيات التعاونية خاصة الاستهلاكية منها في المملكة، والتي تأسست في بداية التسعينيات الهجرية، وصفي كثير منها. بجانب تعميق مفاهيم الشفافية والإفصاح وإلزام الجمعيات التعاونية في المملكة بقوائم مالية ورقابة مالية وقانونية كفيلة بالحد من بعض مشكلات الفساد التي قد تحدث في نطاق أي منها. وأن يكون دور الجمعية واضحا في تقديم الخدمة للأعضاء وللمجتمع وليس التركيز على الربحية. والجمعية التعاونية هي كُل جمعية يكوّنها أفراد طِبقاً لأحكام هذا النِظام، بهدف تحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، سواء في نواحي الإنتاج، أم الاستِهلاك، أم التسويق أم الخدمات، باشتِراك جهود الأعضاء مُتبِعة في ذلك المبادئ التعاونية. تنمية القطاع غير الربحي وقد عرفت المملكة الجمعيات التعاونية في فترة مبكرة، وأعدت القوانين التي تحكم عملية إنشائها، واللوائح التي تنظم عملها بالبلاد، ووضعت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لوائح عدة استعرضت من خلالها أهداف الجمعيات التعاونية بقطاعاتها الثلاثة (العام، الزراعة، التجارة)، ووضحت الآلية التي تسير عليها لتحقيق هذه الأهداف في كل ما يخص الخدمات التي تساهم بها في نمو القطاع غير الربحي في المملكة، وأكدت تلك الأدلة أن هذه الجمعيات هي مؤسسات اقتصادية مستقلة يكونها أشخاص طبيعيين أو اعتباريين؛ لتوفير حلول لتحديات أو أهداف مشتركة تهدف لتحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأعضائها. وقد تنبهت الدولة لأهمية تلك الجمعيات، ووضعت ضمن ما تضمنته رؤية السعودية 2023، وتستهدف المملكة الوصول بعدد الجمعيات إلى خمسة آلاف جمعية بحلول العام 2030. وتعمل الحكومة على محاسبة المخالفين ممن يرفعون الأسعار بدون مبرر، أو لا يلتزمون بنظام حماية المنافسة، وهناك لجنة وزارية مشكلة تعمل على تحقيق الاستقرار المعيشي، ودور هذه اللجنة بالطبع هو مكافحة الغلاء والوقوف في وجه محاولات الاحتكار ومحاربة الغلاء، والعمل على تحقيق المراقبة الصارمة للأسواق ورصد أي محاولات لرفع الأسعار بوجه عام والسلع الغذائية بوجه خاص. وقد وجه مجلس الوزراء قبل قرابة العامين، "وزارة الشؤون الاجتماعية" بالعمل على دراسة إنشاء الجمعيات التعاونية والاستهلاكية، وقد آن الأوان لأن تتحول تلك التوجيهات إلى واقع ملموس على الأرض. نشر الثقافة التعاونية وإذا كانت الحاجة ماسة لتفعيل وتطبيق كل ما صدر من قرارات وتوجيهات، وما تم التوصل إليه من توصيات تهدف لتشجيع تأسيس الجمعيات التعاونية الاستهلاكية بالمملكة، فإن الحاجة ماسة أيضا لنشر الوعي بأهمية تلك الجمعيات ومعاييرها، وأثرها الاجتماعي والاقتصادي، وشرح كل ما يخص (نظام الجمعيات التعاونية)، الذي يعد إحدى الأدوات التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للإنماء الاجتماعي في المملكة. وتوفير الدعم المجتمعي للجمعيات القائمة من أجل تمكينها من القيام بدورها التنموي والاقتصادي والاجتماعي، ونشر الثقافة التعاونية في الأوساط السعودية كافة. الحاجة لإعادة التقييم وكانت دراسة للدكتورة هيفاء بنت عبدالرحمن بن صالح بن شهلوب، الأكاديمية بكلية الخدمة الاجتماعية، بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، عنوانها "تقييم الدور التنموي للجمعيات التعاونية في المملكة"، قد أشارت إلى أن الجمعيات التعاونية القائمة بالمملكة حققت العديد من الفوائد منها توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي المختلفة وتطوير الأساليب الزراعية القديمة إلى أساليب حديثة، والمساهمة في ثبات أسعار السلع والخدمات خاصة في القرى التي أنشئت بها جمعيات تعاونية علاوة على توفير هذه السلع والخدمات، وتدريب المواطنين على أعمال الإدارة للمشروعات المختلفة، وتدريب المواطنين على الأعمال المالية والمحاسبية وخدمة المجتمع وتنميته عن طريق دراسة احتياجاته واقتراح وسائل توفيرها. واعتبرت الدراسة أن تجربة الجمعيات التعاونية تُعد من التجارب محدودة التطبيق في المملكة وتحتاج إلى تقييم لفهم المنظمة بوجه عام.