لا تقف القيمة الجمالية للعمل الفني على الإنجاز فقط رغم حالة النشاط الفني، فالفنان يتقدّم بمنجزه ورؤيته، ويسلّط عليه الضوء فيتواصل من خلال هذه الأعمال الفنية، ولكن ليستمر هذا الضوء مشرقاً بالمشاركات والإنجازات والمقتنيات والمعرفة والثقافة البصرية من خلال المعارض ومن خلال الحوارات وتبادل الخبرات، يجب أن يقوم بتقديم نفسه وأعماله بالتواصل الخاص مع الجاليريات التي تتوجّه به نحو العرض والجمهور مما تساهم معه على أن تستعرض مسيرته وتجربته وحضوره ما يضمن التواصل مع المتلقي. فالمعارض الفنية في الجاليريات تشكل عادةً جزءًا من المشهد الثقافي الرسمي تفوق أهميتها المهرجانات العامة والمحلات التجارية، لأنها تتميز بتقديم أعمال فنية مختارة من قبل مديري الجاليري ولها ثيمة وتوجّه معيّن وانتماء فني خاص واختيار مدروس وله أهدافه في عرض تجارب مختلفة ومتنوّعة للفنانين، خاصة وأنها تستهدف عادةً الجمهور المهتم بالفن والمستثمرين الباحثين في الفنون والمجموعات الاجتماعية المختارة. كما تتميز بعض الجاليريات بتخصصات معينة مثل الفن الحديث أو الفن التجريدي أو الفن الكلاسيكي أو فنون الشرق والمستشرقين. أما المعارض الفنية في المهرجانات العامة فهي أكثر شعبية وتستهدف جمهوراً أوسع وتجارب مشتركة واختيارات مختلفة، لذلك تتميز بالتنوع والتواجد في الأماكن العامة مثل الحدائق والشوارع والميادين، وتقدم هذه المعارض عادةً مزيجاً من من الأعمال الفنية من رسم وتصوير ونحت، ولا تخضع لعملية الفرز والاختيار حسب الجودة الفنية، وتكون متاحة للجمهور حتى يتعرّف عليها ويستمتع بها بشكل مجاني أو بأسعار رمزية، خاصة وأن العروض أحياناً تكون غير معمّقة ولا تركّز على التقنيات ولا تهتم للتفاصيل التجريبية والفنية الدقيقة وبالتالي تكون العروض عامة ولا ترتكز على الإشعاع بالجانب الفني البصري وتقديمها بشكل مختص واحترافي. لذلك فإن المعارض الفنية في الجاليريات (الحكومية والخاصة) معارض ذات اختصاص اختياراتها تكون مبنية على القيمة والجودة والخبرة والحضور ويكون التنسيق فيها أيضاً مبنياً على رؤى بصرية ومواكبة فنية وانتماء عالي القيمة تستهدف جمهوراً محدداً وتقدم أعمالاً فنية مختارة بعناية قادرة على استقطاب الفنان والمهتم والناقد والمختص والمقتني. وهنا يكون جمهور معارض الجاليريات جمهوراً مطّلعاً ومُختصاً وباحثاً ومُهتماً على عكس ما قد يكون عليه الجمهور في المعارض العامة، مما يجعل الفنان يضطر إلى تقديم أعمال بسيطة أو تجارية بدلاً من الأعمال الفنية التي قد تثير تساؤلات أو تعقيدات مُختلفة خاصة وأن هذه المعارض مؤقتة وقصيرة المدى وهنا تقلّ أهميتها من حيث البحث والاطلاع. لذلك فإن تكثيف المعارض الفنية الخاصة والتواصل بأكثر حرص مع الجاليريات الفنية يمنح قيمة واختيار، ويطلع الجمهور على القيمة ويفكّك العناصر ويساعد على بناء الرؤية الجمالية الواعية التي تنظر للفن كعمق ثقافي إنساني لا كحضور باهت وعرض بلا جدوى.