بينما انشغل الجميع بملاحقة مستجدات الذكاء الاصطناعي؛ تسللت خيوط "ثريدز". لا أحد، أبدًا، يمكنه تحديد المنتصر، "ماسك" أو "مارك". يملك الأخير فرصًا أكبر للانتشار، والحضور كمجموعة متشعبة، جيشها "فيسبوك، إنستغرام، واتساب"، وأخيرًا "ثريدز".. وهنا تأتي لعبة البيانات الضخمة. السؤال المهم: كيف حصد "ثريدز" عشرات الملايين من المستخدمين قبل أن يكمل يومه الأول؟ باختصار: لاعتماده - الذكي والسبَّاق - على حسابات "إنستغرام"، التي تتجاوز مليارين ونصف مليار تقريبًا، في انتقال سلس يشبه التمدد، لا يكلف الشخص سوى اتخاذ القرار. بالإضافة إلى توفير خصائص مجانية، حُرم منها المغردون، وأصبحت بمقابل مالي في "تويتر". والأهم، وهي عادة بشرية، يبحث معظم الناس عن التجديد غالبًا أكثر من الاحتياج! مع ضرورة الأخذ بالاعتبار أن "ثريدز" قائم على إعادة إحلال أو ترحيل من منصة صورة لمنصة نصوص بنفس الجمهور. هذا الجمهور رغم كثرته وملياريته لم يتفوَّق على "تويتر" على مستوى جدية الطرح وصناعة التأثير. لذا يأتي السؤال: هل بإمكان نفس المستخدمين بموضوعاتهم واهتماماتهم التي نعرفها في "إنستغرام"، المنافسة في لعبة صناعة التأثير؟ لا أعلم، حتى الآن. الخبر اللافت، الذي مرَّ دون تداول كبير، هو غياب التطبيق الجديد عن بلدان الاتحاد الأوروبي؛ بسبب مخاوف تنظيمية أخَّرت إطلاقه هناك. إذ تخضع "ميتا" لقانون الأسواق الرقمية الجديد، الذي يفرض قواعد مشددة على شركات الإنترنت الكبرى في دول الاتحاد الأوروبي (تحديدًا خصوصية البيانات). وأعتقد أنها إجراءات مؤقتة، وربَّما تكون مجرد لعبة تسويقية تهدف إلى التمهيد. ومع اختلاف التحليلات، أميل للقول بنجاح التطبيقين. ما سيحدث، هو أن "تويتر" سيكون منصة اليمين، و"ثريدز" لليسار، غالبًا. وأيضًا، ستتحول الشبكات الاجتماعية لانتشار متوازٍ، يشبه خيارات الناس في التعامل مع الصحف والمجلات. لكل شخص خياره المفضل الأول، واستخدامه العام الكلي. كما أظن أن النقاشات الجادة ستبقى في "تويتر". وستغطي ثرثرات "ثريدز"، قضايا الاهتمامات العامة، والترفيه، والفنون، وما شابهها، بالدرجة الأولى. الفكرة الملحة، هي أن المستخدمين في رحلة بحث وتحديث مستمرة، منذ التسعينات حتى الغد. ستواجه التطبيقات تحديات كبيرة في خلق الأفكار، واستحداث ما يقتل الرتابة لدى المستخدمين، ويشبه التسارع فيما يُعرف بالترند. تدريجيًا، سيكون الاعتماد على ما يدعم البث المباشر، والتفاعل الآني السريع، ويحول هذه الشبكات من منصات لطرح الأفكار إلى أسلوب حياة، يعكس تمامًا تصرفات الشخوص وتفاصيلهم اليومية. وقبل الختام، لا بدَّ أن نتذكر أن الإعلام والتقنية - وتحديدًا في العقد الأخير - أصبحا بلا قواعد واضحة، ولا يمكن تحديد عوامل النجاح أو عكسها. كما أن الذائقة في تغير سريع، لا تخضع لأي شروط مُقرَّة مسبقًا.. لأنها تشبه سياقاتها، التي تختلف مسبباتها ودوافعها باستمرار. ستحاول النخب، وأصحاب الأجندة والمشاريع، الترويج للتطبيق الذي يخدم مشاريعهم، ويمنحهم الاهتمام والأولوية. بينما الناس، معظم الناس، سيلتحقون بمن يمنحهم خصائص مجانية أكثر.. بمنأى عن مخاوف الخصوصية، ودون اكتراث بكل مشاريع الاستقطاب. والسلام..