حشد من الكلام المؤجل يذيبه الصمت لتتقد عاطفة بالفعل، سمعت هناك صخباً يركض حولي يريد القفز فوقي فرددها المسكين: من لا يستطيع هدم جدرانك، سيقول إن التسلق عليها ليست من عاداتِه.. أدركت حينها تلك الخطرات التي طوتني بالوضوح خلفها وأمامي كل غموض.. لم أنم حَتى الآن، ليسَ لديّ إلا صباحات قديمة ومُستعملة قد لا تفي بالغرض. خواطر خشنة.. ونثرات ظنون.. أكاد لمسها بذاكرة سافرة تمتطي قلب متخم بالحنين. قلم مقعد.. وهذا الحبر المغرق بالوهم.. حروف مهملة.. وأبجدية معطلة.. وأوراق خرساء.. وسطور تحدث صوتاً.. وكلمات تحتفي بنصوص.. في يدك أدوات كتابة.. وفي قلبك مشاعر كتابة.. وفي عقلك أفكار كتابة.. فتجد بعضك حول عقلانية الجهل، وبين منطق الصم، وخلف الأحلام، وأمام الأيام.. سأمضي معكم باتجاه طرقات الوله، فكل المساءات القديمة استبدلها بالصباحات القديمة قد أكون فوق الأمنيات.. ودون الصعوبات. تسوقني الحياة لكل جهة يعبرني فأختبر نفسي لأكون صلباً بلين.. وليّناً بصلابة.. فأغرد داخل السرب وخارجه. دهشة.. فأتساءل.. واحتفال نظر.. ليس بالذهن حائل.. كل هذا الومض.. جعل وجهي عارياً.. لا يقول قائل.. فحولي عتمة.. وخلفي حواس.. وأمامي كل القبائل.. غيمة استمطرها.. فتقسو.. ثم تطردني.. وتحبسني الصحراء.. لتنتحر خضرتي.. ويمتد عطشي.. فأتساءل.. أحظي مائل؟! سلبوا أمنيتي.. فانصهر داخلي غربة.. فكنت أقرب للسكون.. وأبعد من الريح.. تسلل صمتي في بعض حديثي.. اختناق.. فالفرح كان يقطر حولي.. سرقوا سعادتي وحرموني من غايتي.. توّاقاً كنت أرتب عواطفي.. ومتشوّقاً كنت ألملم إحساسي.. كنت أترقب فرحاً وكنت مسروراً.. وقلبي يلامس مرحها يلتصق بود سحيق لها تخيلت ملامحها وهي تبتهج.. وأنا أتعثر في كلماتي.. تبتسم فتلقي تحيتها تقول: إليك كل ورداتي.. لكن هديتي تمزقت.. خانها التغليف فسترتها ببعض دمعاتي.. هناك يقف شخص يأتيك يحاول ليصمت معك، حينما يكون الحديث اختناقاً.. أحد ما يتمَادى إهمالاً، وَالآخرُ وفاء لانتظار القادم. أكمل المسيرة في دروب علامات الترقيم، أتعثر في الفاصلة تارة، وتسقطني النقطة تارة، ويصدمني التعجب مرة، ويقفز بي الاستفهام، وأختصم في معاني الشارحة، وتحبسني الأقواس بين التنصيص.. تأمل خلفه إبصاراً في أعماق الوعي، لا خانة للشكوك في تلك الطفولة الغارقة في جسد هذا الشيخ، ولا ريب في طعم تلك الحلوى في لسان المرارة.. وهذه الأطياف التي تعبر مخيلتي خطفاً، في زمن تعطل داخل ساعتي فأعود لهذه «السكك» أناديهم بصوت منخفض لأن حنيني مرتفع. يضحكني كم قاسوا المحبة بعذب الكلام، وعرفوا الهوى من وعود الريشة.. فساروا في مطاردة النبض وتاهوا بين أحاسيس السواد! ما أبعد قربهم! وما أقرب ابتعادهم! وشيء من الروايات تحكيها النوافذ القديمة، وترويها الأبواب العتيقة.. متعبة هذه الثرثرة داخل ذهني، فقدت لغتي الواحدة، تخونني لهجتي فلا أقدر أن أعيد الخطوات في هذه الدروب الخالية من وجوههم. أتقلب في خواطري، تجاذبني لهفتي لزمن البعثرة البريئة وفوضى أصابعي على وريقات مشاعري.. سأذهب لمن يمنحني الأجوبة دون أن يكلفني عناء طرح الأسئلة لعلي ألملم شتاتي.