منذ فجر العلاقة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، في مارس 1926، أي منذ حوالي قرن مضى، وصولًا إلى زيارة صاحب السموّ الملكيّ الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء إلى باريس، من 14 إلى 24 يونيو 2023، في زيارته الثانية في أقل من سنة، عرفَت شراكتُنا تطوّرًا لم يسبق له مثيل. كان شهر يونيو 2023 زاخرًا بالفعاليات الفرنسية السعودية لم تشهد مثلها العلاقة بين البلدين عبر تاريخها الطويل، وأصبحت باريس خلاله "البيت الثاني لصنّاع القرار السعوديين". تشهدُ الزيارة الرسمية الناجحة التي قادها صاحب السموّ الملكيّ وليّ العهد إلى فرنسا على رأس وفدٍ وزاريّ رفيع المستوى، على أهمية هذه العلاقة بين بلدينا وعلى التوافق الكبير بين رؤيتَينا للمستقبل: بناءَ عالمٍ أفضل لشبابنا ولأجيال المستقبل ومواجهة التحديات التي تُهددُ كوكبنا. استقبل رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في قصر الإليزيه في 16 يونيو 2023، حيث استعرضا بعمقٍ سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية الفرنسية السعودية والمسائل الإقليمية والدولية التي يتوافق حولها بلدينا في التحليل والاهتمامات. وفدٌ وزاريّ رفيع المستوى في فرنسا لتعزيز العلاقات الثنائية في جميع المجالات في إطار زيارة صاحب السموّ الملكيّ إلى باريس، جرت سلسلة من الاجتماعات الوزارية أدّت إلى تعزيز شراكتنا الاستراتيجية في مجالات أساسية، تابعت وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية السيّدة كاثرين كولونا في باريس، المشاورات التي بدأتها مع صاحب السموّ الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية خلال زيارتَيها إلى المملكة العربية السعودية في فبراير ويونيو 2023. كما اجتمع السيّد برونو لومير وزير الاقتصاد والمالية مع وزير الاستثمار الأستاذ خالد الفالح بعد أشهرٍ قليلة من اجتماعهما في الرياض، والتقت السيّدة ريما عبدالملك وزيرة الثقافة نظيرها السعوديّ صاحب السموّ الأمير بدر بن فرحان الّذي استقبلها في شهر مارس في الرياض. شكّل هذا الاجتماع فرصةً جديدة للإشادة بحيوية تعاوننا الثقافي ونجاح شراكتنا الاستثنائية في العلا. من ناحية أخرى، ناقشَ السيّد أوليفيه بيشت وزير التجارة الخارجية والاستقطاب والفرنسيين في الخارج مع المهندس خالد الفالح، فرص تعزيز شراكتنا الاقتصادية في مجالات الطاقة، والنقل، والتكنولوجيات الجديدة، والصحّة، والسياحة والثقافة، لمتابعة مشاورات ديسمبر الماضي خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية. والتقى السيّد جان نويل باروت، وزير التحوّل الرقمي، المهندس عبدالله السواحه وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، لتطوير شراكتنا في مجال التحوّل الرقمي في بلدينا. منتدى اقتصاديّ ضمّ أكثر من 900 مشارك نظمت بيزنس فرانس منتدى الأعمال "Vision Golfe 2023" في وزارة الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية من 13 إلى 14 يونيو. جمع هذا المنتدى 900 مشارك من بينهم حوالي 200 مشارك سعوديّ. يؤّكد نجاح هذا المؤتمر على اهتمام الشركات الفرنسية بحيويّة أسواق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ناحية، واهتمام السلطات وأوساط الأعمال في المنطقة بالدراية والخبرة الفرنسية من ناحية أخرى. تحدّث الأستاذ بندر بن إبراهيم الخريّف وزير الصناعة والثروة المعدنية باسم المملكة العربية السعودية، حيث قدّم استراتيجيتها الصناعية ليسلّط الضّوء على مكانة المملكة العربية السعودية الريادية في الصناعات المتقدّمة. عُقِدَ في 19 يونيو منتدى الاستثمار الفرنسي السعودي الّذي نظّمته وزارة الاستثمار السعودية بالتعاون مع ميديف انترنشاونال. استضاف المنتدى، الّذي تشارك بترؤسّه خالد الفالح وأوليفيه بيشت، أكثر من 700 ممثّل عن الشركات. وسمح بتعزيز الروابط بين مجتمعات الأعمال في بلدَينا وبإضفاء حيويّة جديدة على القطاعات الأساسية مثل الطاقة والثقافة والسياحة والتطوير المستدام. توقيع 24 مذكرة تفاهم بحوالي ثلاثة مليارات دولار في باريس اختُتمَ المنتدى بتوقيع 24 مذكّرة تفاهُم واتفاق استثمار بحوالي ثلاثة مليارات دولار. وُقِّعَت هذه الاتفاقات بين هيئات فرنسية وسعودية عامة وخاصة، وشمَلَت نطاقًا واسعًا من المجالات الأساسية لتحقيق رؤية السعودية 2030، لا سيّما في مجلات الطاقة، والاتصالات، والمواد المستدامة، والبناء، وإدارة النفايات، وتطوير المتاحف، والترويج للمشهد الثقافي. إن هذا النجاح الجديد يدلّ على نشاط تبادلاتنا. فرنسا تدعمُ رؤية السعودية 2030 الطموحة. وقد أضافت الشركات الفرنسية الكثير في المملكة العربية السعودية وهي مستعدّة لمشاركة درايتها ولتوطين الإنتاج والإسهام في تدريب النخبة السعودية، ووضع خبرتها في مشاريع التنويع الاقتصادي الكبرى في المملكة، هي علاقةٌ مربحة للجانبين. والمثال الأحدث والأقوى عن هذه العلاقة، هو توقيع عقد إنشاء مجمّع أميرال للبتروكيماويات، بقيمة 11 مليار دولار بين أرامكو وتوتال إنيرجيز. كما استقبل صالون لو بورجيه الدّولي من 19 إلى 25 يونيو العديد من الوفود السعودية في إطار تعزيز شراكتنا في مجال الطيران، وتميّزَ بتوقيع عقد شراء Flynas 30 طائرة Airbus A320 NEO بحوالي 3 مليارات يورو. معًا من أجل ميثاق مالي عالمي جديد للحدّ من الفقر ومواجهة تحديات تغيّر المناخ وفي إطار زيارة صاحب السموّ الملكيّ وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء إلى فرنسا، شرّفت المملكة العربية السعودية بحضورها القمّة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد، التي عُقدت في باريس في 22 و23 يونيو، بمبادرة من رئيس الجمهورية الفرنسية، رافق صاحب السموّ الملكيّ الأمير محمد بن سلمان وفدٌ رفيع المستوى، تألّف من معالي وزير الخارجية صاحب السموّ الأمير فيصل بن فرحان، ومعالي وزير المالية محمّد بن عبدالله الجدعان، ومعالي محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميّان. وكما قال الرئيس إيمانويل ماكرون: "لا ينبغي لأي دولة أن تختار بين الحدّ من الفقر وحماية الكوكب: يجبُ علينا مواجهة هذين التحديَين في وقتٍ واحد". ونحن نتشارك مع المملكة العربية السعودية في هذا السياق، رؤية التطوير نفسها ومكافحة عدم المساواة. المملكة جهةٌ فاعلة أساسية في المساعدات الإنسانية والتنموية. وفرنسا سعيدةٌ جدًا بالاعتماد على دعمها لمكافحة تعيّر المناخ والحدّ من عدم المساواة، وقد أتى تعاوننا بثماره في لبنان من خلال الصندوق المشترك للمساعدات الإنسانية الّذي أنشأناه معًا والّذي يقدّم مساعدات قيّمة للشعب اللبناني الّذي أضعفته الأزمة الاقتصادية. فرنسا تدعم المملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو الدّولي 2030 وأخيرًا وليس آخرًا، شارك صاحب السموّ الملكيّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في الحفل الرائع الّذي نُظّمَ في Grand Palais Ephémère بمناسبة تقديم ترشيح المملكة لاستضافة معرض إكسبو الدّولي 2030 في الرياض، حيث التقى بالعديد من الجهات الفرنسية الفاعلة الخاصة والعامة، والتي عبّرت عن قناعتها بهذا المشروع السعودي الرفيع. وفرنسا فخورة بدعم هذا الترشيح. عقب هذه الزيارة التاريخية التي تُشكّل مرحلةً حاسمة من صداقتنا المئوية، سوف نستمر بالعمل معًا من أجل السلام في المنطقة وفي العالم، في خدمة الازدهار والتطوّر للجميع وفي حماية كوكبنا. في أيدينا بناءَ مستقبلٍ أفضل على أسسِ شراكتنا الاستراتيجية المتينة. * سفير فرنسا لدى المملكة العربية السعودية علاقات قوية تربط المملكة بفرنسا.. جسدتها اللقاءات الثنائية بين قيادتي البلدين لودوفيك بويّ*