لا شك أن الطرق ووسائل التنقل المختلفة في وطننا الغالي وصلت إلى مرحلة مميزة وغير مسوقة لكل من عرف كيف كانت عملية الانتقال والترحال من منطقة لأخرى، وذلك في غضون سنوات لا تذكر في عمر الشعوب الباحثة عن التطور، والكل خاصة في جنوب المملكة الحبيب يتذكر ما كان عليه الطريق الموصل من الطائف عروس المصائف إلى أبها المدن في عسير الجمال ورائدة التطور السياحي، حيث كان يسمى بعدة تسميات فجة لما وقع به من حوادث مميتة، ولضيق الطريق بمسار واحد في كل اتجاه، وصعوبته وتعرجاته فوق قمم جبال السروات الشاهقة، ولم أعبره مما نسمع عنه من قصص وحكايات لسنوات طوال، وخلال الأسبوع المنصرم قمت برحلة برية صحبة العائلة إلى شمال منطقة عسير صوب تنومه الغراء والنماص الخضراء. وحقيقة كان الطريق غاية في حسن التنفيذ والاتساع مزدوجا بشكل يلبي متطلبات السلامة المرورية، منتشرا به اللوحات الارشادية وكاميرات ساهر لرصد المتهورين عليه، وهذا الطريق يمر بالعديد من القرى الجميلة والمدرجات الزراعية الأنيقة، والمدن المتوافر بها متطلبات المواطن والسائح، ولا شك أن توجه بوصلة السياحة لتلك المناطق البكر سيزيد من الإقبال عليها من داخل الوطن خارجه، ومن الإشغال الكبير لمنتزهاتها واسكاناتها المتفرقة، وأعتقد أن تنفيذ البرامج السياحية الصيفية لم يعد هدفا بحد ذاتها، إنما هنالك من العشاق الكثر للأجواء الباردة والسحائب المحلقة في فصلي الخريف والشتاء وهي تنشد السياحة الشتوية، كما يتطلع البعض للسياحة الصيفية، ولا بد من تنفيذ الأفكار الخلاقة لجذب الزوار في كل فصول السنة. وفي الحقيقة أن ما شاهدته من تطور ونماء في تلك المناطق ومن سحر وإبداع في كل ما تلحظه في تلك اللوحة الربانية الزاهية يشد كل القادمين إلى تلك القرى الجبلية بتكرار الزيارة مرات ومرات، وعند لحظات الغروب أحببنا أن نجرب عقبة التوحيد الموصلة لمدينة اللمجاردة، ثم إلى أبها من خلال المناطق التهامية الدافئة وكانت الدهشة حاضرة لسهولة تلك العقبة - إن جاز تسميتها عقبة - فهي تكاد تكون شبه مستوية بين تلك الجبال العملاقة وخلال أقل من نصف ساعة وأنت تنتقل من أعالي جبال السروات إلى سهول تهامة في رحلة جبلية ممتعة، تنطلق من خلالها إلى محايل عسير ثم إلى رجال ألمع ثم تعود من عقبة الصماء إلى مدينة أبها. إن تلك الرحلة الطويلة والتنقل من خلال تلك الجبال الوعرة ثم النزول إلى المناطق التهامية والعودة لنقطة البداية لهي دليل صادق على المجهودات الجبارة التي بذلتها حكومتنا الراشدة في كل شبر من هذا الوطن، وعلى حرصها الشديد على تسهيل كل الطرقات والصعاب، وتقديم كل الخدمات مهما كان الثمن غاليا، في سبيل إسعاد المواطن وتسهيل تحركاته، وتقديم صورة سياحية وحضارية لهذا الوطن الذي أصبح قبلة السياح من كل بلدان العالم.