في كل مرّة تطرح الأسئلة حول صناع الفن السعودي وبناء أمجاده في ظل زحمة الآراء والمعلومات المغلوطة والفوضى التي تحدث حالياً، إثر تعمد بعض الأسماء بين حين وآخر بتصاريح مستفزة، تغير واجهة البدايات وتواريخها، والتقليل من فنانين آخرين رحلوا عنا وبقي لهم ذكرى خالدة وتركة فنية كبيرة. دائماً ما تتكرر هذه المعلومات الخاطئة التي تسوّف معلومات ثقافتنا الإبداعية والمقارنة بالراحلين من عمالقة الموسيقى السعودية والأسماء المتواجدة في ظرفنا الحالي. عندما نستذكر مراحل بناء وتأسيس وتطوير الأغنية السعودية، نعود إلى مربعها الأول، حيث طارق عبدالحكيم والذي أنشأ أول مدرسة موسيقية تابعة للأمن العام في سنة "1954" وكان له الفضل الكبير على بدايات الفن والأغنية السعودية التقليدية، هذا الاسم الذي قدّم للوطن الكثير من الأعمال الخالدة، من أهمها ترتيب لحن السلام الوطني في إطار الموسيقى وألحان المصري عبدالرحمن الخطيب، وألحان مختلفة على الجانب المحلي والعربي. ويعد الموسيقار طارق عبدالحكيم أول من أسس فرقة رسمية في الإذاعة، وهي الفرقة الرسمية التي كانت تعزف السلام الملكي والمارشات العسكرية حينذاك، وشارك في ذات المرحلة الفنية الفنان محمود حلواني الذي التحق بفرقة طارق عبدالحكيم وتغنى بألحانه ثم استقل وأصبح منافساً لطارق، حتى أتت مرحلة التأسيس الفعلية والتصورات في وضع الأغنية والموسيقى المتطورة على يد باني مجدها طلال مداح، الذي أسس فكرة العمل الفني الحديث عام "1959" مقدما باكورتها "وردك يازارع الورد" في أولوية الحداثة الفنية ونقل الأغنية السعودية، لكونه قدّم عملاً فنياً منافساً لائقاً بالظهور والسماع عربياً، وهي ذاتها التي لاقت رواجاً جماهيرياً في أولى خطوات التطوير، في ظل تكويناتها الإبداعية على شكل مختلف الأوزان والقافية، كاسرة رتابة الأغنية الموروثة. من تلك الفترة بزغت أغاني طلال الرسمية، راسمة أولى خطوات الأغنية الفعلية، والتي أسهمت بكسر حاجز ترديد أعمال التراث، إضافة إلى نشره للأغنية السعودية خارج حدود الوطن، والتشارك مع الفنانين العرب. تاريخ الأغنية السعودية وموسيقاها يحتاج إلى مجلّد طويل يحتوي على تفصيل دقيق، وعن ماقدمه طلال مداح الذي يُعتبر باني مجدها، محققاً نجاحات كبيرة وقبولاً واسعاً في الوطن العربي، حتى أصبحت الألحان السعودية مطلباً لبقية فناني العرب، قبل أن تتوسع بشكل لافت على يد "فنان العرب" محمد عبده، عبادي الجوهر، راشد الماجد، عبدالمجيد عبدالله، رابح صقر، لتعيش الأغنية في انتعاش فني وازدهار متواصل حتى اليوم. فلديها أساسات صلبة، مهما حاول البعض إخفاءه وتجاهل رموزه.