يتخذ مسار الموسيقى السعودية وتاريخ ظهورها، اتجاهات متباينة بسبب الأنواع الغنائية المختلفة في مناطقها والتركيبة البيئية للمواطن السعودي من مهن وطبيعة حياة كونت أشكالاً شعرية وأنماطاً لحنية وألواناً إيقاعية ساهمت في خروج الموسيقى السعودية بثوبها الحالي. وبحسب احد المصادر التاريخية التي واكبت تطور الحركة الغنائية والموسيقى في السعودية، فإن ظهور تلك الحركة بدأ مع توحيد أجزاء الدولة السعودية عام 1931، اذ توحدت معالم الجزيرة وبدأت استقبال حقبة جديدة وأسلوباً مختلفاً نقلها من فن الصهبة والدانات والمجسات والموال الحجازي العادي ومن فن السامري في نجد وفن النهمة غناء البحر في الإحساء، الى عالم آخر مليء بمشاهد الفن والغناء والموسيقى الحديثة. ويعد الموسيقار طارق عبدالحكيم، الأب الروحي للموسيقى السعودية، وأول من نقل الأغنية من قوالبها التقليدية الى فضاء الألحان والإيقاعات والمقامات المختلفة عندما شد رحاله الى القاهرة نهاية خمسينات القرن الماضي، ودرس الموسيقى والمقامات الغنائية المختلفة ليعود محملاً بثقل فني كبير أفرغه في ما بعد أغاني طربية مثل"اسمر عبر"و"بابكي على ماجرا لي ياهلي". وتطورت اللغة الموسيقية في السعودية، وباتت واقعاً مثيراً عندما أسس عبدالحكيم اول فرقة موسيقية مع بعض رفقاء جيله منهم فنان الطائف آنذاك عبدالله محمد 1924-1997 وعبدالله المرشدي وأحمد باكلكلة في مدينة الطائف عام 1952. كان إنشاء تلك الفرقة الموسيقية بمثابة إعلان لظهور طلال مداح الذي قلب المعادلة وأسهم في ما بعد بنقلة كبرى ومؤثرة في الفن والموسيقى السعوديين، اذ بدأ شق طريقه نحو الأضواء من خلال الحفلات والمناسبات المختلفة لأهالي الطائف عام 1959، وانتقل من مغن مؤد ومقلد لبعض أغاني من سبقوه كحسن جاوة والشريف هاشم وعبدالرحمن مؤذن ومحمد سندي، الى فنان مستقل له أسلوبه الواضح، وترنيمته الخاصة، وسجل اول أغانية التي كانت بعنوان"وردك يا زارع الورد". بعد سنوات ترك مداح الطائف الى جدّة التي جذبت الفنانين لتوافر المال وولع أهلها بالغناء، اضافة الى وجود مركز للإذاعة السعودية فيها، ما ساعد على ظهور محمد عبده الذي ساهم في نقل دفة الأغنية والموسيقى السعوديتين في ما بعد الى القمة. بعد ظهور مداح وعبده انعطفت الأغنية والموسيقى انعطافة مهمة، خصوصاً خلال حقبة ستينات القرن الماضي وسبعيناته، وبدأت ثورة على كل المستويات الغنائية والموسيقية. ووسط هذه النقلة الكبرى وإمضاءات الجيل الجديد لايمكن إغفال اسم الموسيقار غازي علي الذي يعد أول خريج أكاديمي في فنون الموسيقى العربية. ودرس النوتة الموسيقية وفن المقامات ولحن العديد من الروائع أبرزها"سلام لله ياهاجرنا"لمداح. وتجدر الإشارة الى ان علي كان احد تلاميذ عبدالحكيم الذي يعد من ابرز من ساهم في تكوينه الفني. ظهرت تباشير القفزة النوعية للموسيقى السعودية عندما بدأ عبده أولى خطواته مع المغني عمر كدرس 1934-2002 الذي جاء من مكة الى جدة وكان يعيش آنذاك تنافساً شديداً مع مداح على مسارح جدة ووسط أحيائها الشعبية في حفلات الزواج. وعلى رغم انه كان يتفوق على مداح نظراً الى إجادته أداء المجسات والموال الحجازي وهو ماكان يعشقه أهل جدة استطاع مداح سحب البساط من تحت قدمي عبده ولفت انتباه الناس نحوه. شكل عبده مع عمر كدرس ثنائياً ذهبياً. وفرّغ كدرس نفسه وكل طاقاته في تعليم عبده كل أنواع الموالات والدانات والمجسات الحجازية والتحق بهما بعد فترة وجيزة عبدالحكيم، وغاب عن هذه الكتلة الفنان سراج عمر الذي سطع نجمه آنذاك في عالم التلحين. في المقابل، كان هناك فريق آخر مكون من الفنانين عبدالله محمد وفوزي محسون وسراج عمر، وعلى رأسهم طلال مداح، يعمل بصمت. وبسبب التنافس بين الفريقين، نشطت دورة الموسيقى السعودية وتنوعت الأغاني والألحان. ففي الوقت الذي كان محمد يبدع في تلقين مداح فن الأداء وكيفية تركيبه مع مختلف المقامات، كان عبدالحكيم انتهى من تلحين أغاني القمة والإبداع"ياللي مافكر في روحي"و"سكة التائهين"و"اسمر عبر"و"من فتونك والدلال"و"لاتناظرني بعين"، ليقدم بعدها عمر لحناً لمداح عبارة عن رائعة"ماتقول لنا صاحب"ويتحرك محمد ليقدم عصارة جهده وتاريخه الحافل ليبهر الناس ب"سويعات الأصيل"، لتنطلق بعدها قافلة الموسيقى السعودية ومعها قوافل من الملحنين الشباب الى خارج الوطن وتبلغ ذروة من التطور. وتعتبر حقبة ستينات القرن الماضي وسبعيناته هي مرحلة التأسيس الأولى لتطور الموسيقى السعودية وخلال تلك الفترة، قدمت أعمال ذهبية لن ينساها الجمهور السعودي والعربي في شكل عام، تميزت بالسلاسة والعذوبة والبساطة في الكلمات ما ساعدها في تتويج هذه الأعمال بالتصوير اللحني المميز الذي نقلها الى فضاءي العربية والخارج تباعاً.