يعيش الوطن في هذا العهد المبارك وبمتابعة مباشرة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حراكا نوعيا آخر يتمثل في هيكلة منظومة التشريعات لإصلاح البيئة القضائية وإبراز حداثة تطورها ومواكبتها للمستجدات، وقد أعطي الاهتمام والأولوية في هذا المشروع الشامل لإصلاح القوانين المؤثرة منها والتي كان آخرها ما سبق أن أعلن عنه سمو ولي العهد من تدشين إصدار «منظومة التشريعات المتخصصة»، والمشتملة على مشروعات أنظمة الأحوال الشخصية والإثبات والمعاملات المدنية والعقوبات، والتي تعد بمثابة مشروع حقيقي شامل لخلق منظومة تشريعات مستدامة وتتسق مع مبادئ شريعتنا الإسلامية السمحة؛ حيث إنها تشكل مع ما سبقها وما سيليها من مبادرات لتطوير التشريعات والبيئة العدلية إجمالا دورا مهما في حفظ الحقوق وتحقيق الكفاءة في أداء المؤسسة القضائية والتحفيز على النمو الاقتصادي بإيجاد بيئة محفزة وجاذبة للحركة الاقتصادية نتيجة تعزيزها للثقة في البيئة التشريعية والقضائية على حدا سواء. حيث صدر في الأيام القريبة الماضية ثالث هذه التشريعات المتخصصة والمتمثل في «نظام المعاملات المدنية» لينظم إلى ما صدر سابقا من قوانين الأحوال الشخصية والإثبات، ويتبقى منها نظام العقوبات؛ حيث يعد نظام المعاملات المدنية بحق نقلة تشريعية نوعية عظيمة تؤكد حرص قيادتنا الرشيدة على بذل كل ما من شأنه أن يصب في النهوض بتطوير منظومة تشريعات البيئة القضائية، ويتوقع أن يسهم هذا القانون الجديد في تحقيق الضمانات العدلية في المعاملات المدنية لاحتوائه على سبيل المثال للأحكام المتعلقة ب: الالتزامات والحقوق الشخصية ومصادرها وعلاقة الناس فيما بينهم ومصادر هذه العلاقة وتنظيم التعويض عن الضرر، والعقود وأركانها وحجيتها وآثارها وبطلانها وفسخها، والملكية وصورها وأحكامها وما يتعلق بها من مسائل شائعة؛ وسيسهم هذ النظام تحديداً بشكل كبير في التنبؤ بما تؤول إليه رحلة التقاضي من أحكام ختامية في المسائل التي ينظمها، وسيرفع من مستوى الطمأنينة والثقة في استقرار الالتزامات التعاقدية والمراكز القانونية وحجيتهما. ولهذا نقول إن المكاسب بتشريع تلك الأنظمة وغيرها لا تعد والفوائد بسنها لا تحصى، وفي المجمل سترفع درجة الوعي العدلي والقناعة بالأحكام القضائية وتحقق مقومات النزاهة والشفافية والكفاءة في أداء المؤسسة القضائية والتنبؤ والطمأنينة بمسيرة مخرجاتها، وسيكون لها أثر إيجابي عظيم في حفظ الحقوق، وترسيخ مبادئ العدالة الناجزة، وبالتالي ستعكس للجميع صلابة حسن التعاطي وجدية التغيير ورغبة التحول نحو عصر جديد يؤكد ما تتمتع به مملكتنا الغالية من مقومات وسمات دولة المؤسسات التي تحكمها تشريعات معلومة مسبقا وواضحة ومستقرة لتنظيم دور وحقوق ومسؤوليات الأشخاص القانونية.