أريكة، مزهرية، ورنين الهاتف الأرضي في تلك المكتبة، وصدى إذاعة الراديو، وقصص على ذلك الرف، على جانب جريدة «الرياض». «-السلام عليكم، ممكن جريدة «الرياض» لليوم؟» هكذا بدأت روح الصحافة تمتزج بين ذاتي وهواياتي، ورغباتي وأحلامي، وصوتي ومنامة أفكاري، ابتدأت الصحافة عندما كانت «جريدة الرياض» في الساعة الواحدة ظهراً من كل يوم هي زائرة البيت والمسكن. كبرت وأنا أتأمل المانشيت والخبر العاجل بالبنط العريض، وصورة سياسية تتمركز في وسط الصحيفة بالحجم الكبير، والكاريكاتير الذي كانت تتزين به الصحف رغم رسائله المبطنة. عندما كنت في السادسة ربيعاً كنت أرى الصحافة بين يدي والدي، طيلة سنواتي الأولى، تهجأت أرقام الصفحات أولاً ثم الحروف لأن عمر القراءة كان يقف بيني وبين قدرتي على أن أحظى بفك شفرات تلك الحروف والأخبار، لكنني كنت قادرة على الملاحظة وفهم ما أراه أمامي. ناولني والدي في ذلك الحين القلم وقال: «قومي بتوصيل الأرقام المتشابهة ببعضها»، ومنذ تلك اللحظة وبعد 18 عاماً وملمس تلك الصحيفة باقٍ في يدي حتى الآن، ورهبة الحرف وحضور الكلمة التي لم تقدر على محوها الأيام. كبرت وأنا لم أعرف من روح الصحافة سوى لهوها، كبرت وعرفت أن الصحافة لم تكن مجرد مانشيت عريض ولا صورة تروي الحدث، وليست خبراً عاجلاً فحسب، بل هي صوت القيادة، وبشائر للمواطن، ومساحة فكر ورأي، ومناكفات للمثقفين والأدباء، ورسائل تاريخية عميقة كانت تتجلى بعناوين أليفة شفيفة لتصل إلى غاياتها بلا كلل ولا ملل. كانت «الرياض» منبر العاصمة، ووسيلة لإذاعة الأخبار الملكية، وتحديد أجندة المراسم المهمة، وصوت الحكومة الذي يصل للمجتمع وصوت المجتمع الذي يصل للحكومة أيضاً، ونظراً لأهميتها لدى المجتمع فكانت المنازل السعودية لا تخلو من بهاء صناديق جريدة «الرياض» على أبوابها، فكان للصحيفة اشتراك للمؤسسات والجهات الحكومية ليتم توزيعها في كل مكان في الصباح الباكر. لطالما اعتبرت «الرياض» منبع الرسالة والأثر الذي لم يقدر على محوه الزمان، لتكون منارة للصحافة في قلب كل صحفي، ك(تركي السديري، وحمد الجاسر، وغازي القصيبي، وخيرية سقاف)، ومن ترك أثره وعمق حرفه على أعمدتها، لم تكن جريدة «الرياض» سوى خطة نشر وتوزيع وإنتاج، فكانت تحمل بين رسائلها صوت المواطن، وحكمة الكبير، واحترام الصغير. لا أرى أن مسيرة الصحفي تتخطى «جريدة الرياض»، فهي رمز الصحافة منذ نصف قرن، كابدت وجابهت كل مرحلة بدءاً من النشأة ومواكبة الثورة التكنولوجية، على الرغم من أن الوسيلة الجديدة لا تُلغي ما قبلها، ولكن بإمكانها أن تزعزع استقرارها وأن تلقي بها في أرض المعركة، ولكنها واكبت وتشبثت وكأنها تقول للعالم أنا باقية على مر الزمان. للصحافة روح أيضاً كما للأجساد أرواح، مضت السنون واستمرت روح الصحافة بداخلي بعد أن كانت بين يدي والدي يوماً، وكما تزينت بها رفوف المنزل، هنا وهناك، كبرت ومشهد تلك الصحيفة لا يزال باقياً كما بقى حضورها شامخاً على مر الأجيال، استمرت، وامتدت، وخُلدت في تاريخ الصحافة كرمز لها. الصحافة هي الصوت الذي لا يغيب أبداً.