لطالما تناولت أقلام الكتاب والباحثين والمفكرين رؤية المملكة 2030 بأبعادها المختلفة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، وهي وبلا شك نطاق واسع وخصب لتناول هذه الأبعاد، إلا أن أقل أبعاد الرؤية حظاً من النقاش والمعالجة هو البعد الفكري، لقد ارتكزت الرؤية على ثلاثة محاور: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. ولا يمكن أن تعمل هذه المحاور الثلاثة في ظل الجمود الفكري، أو الخلل الذي قد يعاني منه الفكر السعودي، فالمجتمع الحيوي النابض بالحياة والشغوف بالعمل والبناء والانطلاق للمستقبل، وكذلك الاقتصاد المزدهر المتطور يوما بعد الآخر، والوطن الطموح الذي ينافس على المستوى العالمي جميعها بحاجة إلى فكر نير متقدم ومتطور قادر على الجمع بين الثوابت الوطنية والمستجدات العصرية والمزج بينهما لتكون القوة الفكرية الدافعة للوطن نحو تحقيق مستهدفات رؤيته، من هنا كان العمق العربي والإسلامي ركيزتين مهمتين للرؤية، كما احتل تاريخنا الوطني بأدواره المختلفة من الرؤية موقع القلب من الجسد، فقد قامت هذه الدولة المباركة منذ العام 1139ه على أساس تحقيق الأمن والعدل، وقيم الولاء والانتماء. وقد قدمت للعالمين العربي والإسلامي، بل وللعالم بأسره الكثير. إلا أن النظر إلى هذا التاريخ قبل الرؤية المباركة وطرق معالجته لم تكن بالشكل الذي يتسق مع هذا التاريخ، فقد غلبت النظرة إلى تاريخنا كحلقة صغيرة ضمن حلقات أكبر من تواريخ الدول والإمبراطوريات التي حكمت باسم الإسلام، فجاءت الرؤية لتعيد هذا التاريخ إلى المركز، فتحديد تأريخ قيام الدولة السعودية الأولى على وجه الدقة والاحتفال بيوم التأسيس سنوياً قاد إلى صحوة فكرية وطنية أصبحت تنطلق من الوطن وتاريخه وإنجازاته نحو العالم وليس العكس، كما كان إطلاق مسمى الرواق السعودي على توسعة المطاف هو الآخر انتصاراً فكرياً لهذه الدولة المباركة وأئمتها وملوكها والذين جعلوا من خدمة الحرمين الشريفين وزوارهما الهدف الأسمى لهم، لقد نادت رؤية المملكة بمحاربة التطرف والإرهاب، وبالتسامح والتعددية الثقافية وقبول الآخر، وبحوار الأديان وكل ذلك لتقديم الإسلام في صورته النقية الطاهرة التي نزل بها "رحمة للعالمين"، إن "تحرير" الإسلام وتاريخه والسردية المرتبطة به من أيدي المتطرفين لهو من أهم الإنجازات الفكرية لرؤية الخير رؤية 2030.